مفاجآت متوقعة
بشكل مفاجئ، اختلطت الأوراق الاقتصادية في وجه الحكومة؛ فارتبك المشهد، لتسود أجواء من التوتر وعدم الطمأنينة لناحية القدرة على الظفر بشهادة النجاح من صندوق النقد الدولي.
ففي إطار اتفاق برنامج الإصلاح الاقتصادي المبرم مع "الصندوق"، بذلت الحكومة جهودا كبيرة لتحقيق كل ما هو مطلوب منها ضمن المعقول، من خلال الالتزام باشتراطات ترى أن بإمكانها الوفاء بها. فمثلا، كان "الصندوق" قد طالب بتوفير إيرادات إضافية بمقدار 500 مليون دينار في العام المقبل، إلا أن الحكومة تحفظت على ذلك، مؤكدة عدم إمكانية تحقيق ذلك.
المفاجآت توالت خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية. في البدء، جاءت الضربة من النواب الذين نسفوا عمليا، أول من أمس، قانون ضريبة الدخل "الجديد" الذي كانت تعول الحكومة عليه لجني 150 مليون دينار إضافية؛ لكن التحول النيابي، وكما هو متوقع، أصاب خطط الحكومة في مقتل.
النواب قرروا، وبشكل مفاجئ، أن يكونوا أكثر سخاء من لجنتهم للاقتصاد والاستثمار، بشأن الإعفاءات الضريبية للأسر؛ فزادوا سقفها بشكل غير متوقع من 20 ألف دينار سنوياً للأسرة، مضافا إليها فواتير بقيمة 4 آلاف دينار، إلى 28 ألف دينار، منها أربعة آلاف دينار على شكل فواتير.
الخطوة النيابية، على الأرجح، محاولة لاسترضاء الشارع الذي غضب من مجلس الأمة بعد منحه أعضاءه راتبا تقاعديا بنفس قيمة راتب الوزير، مدى الحياة؛ ما أثار الناس وألّبهم ضد المجلس.
وتُفسّر خطوة النواب أيضاً بأنها محاولة لمناكفة الحكومة، بل والثأر منها، تبعا لإيمان رائج بينهم بأنها ورطتهم في قصة التقاعد، رغم علمها بعواقب ذلك على الثقة بالمجلس، والإطاحة بشعبيته المتهاوية أصلا.
في الأثناء، وبعد ساعات معدودة من "الانقلاب النيابي"، أصدرت بعثة صندوق النقد الدولي إلى المملكة تقريرها بشأن نتائج زيارتها الأخيرة إلى عمان. وإجمالا، جاءت النتائج مخيبة لآمال الحكومة، بعد أن أجل "الصندوق" إصدار تقييمه النهائي لأداء الاقتصاد الأردني، مُرحّلا المسألة للبحث في واشنطن مطلع الشهر المقبل، رغم أن مسؤولين مطلعين يؤكدون إمكانية التوصل لتفاهمات مع "الصندوق" تنهي المراجعة الخامسة والسادسة للاقتصاد.
بيان "الصندوق" ، أول من أمس، تضمن حقائق مهمة، مع بعض المجاملات. ويتمثل أهم ما جاء فيه في أن الاقتصاد أثبت متانته، وصمد في وجه كل المتغيرات الإقليمية؛ بدءا من انقطاع الغاز المصري، وليس انتهاء بأحداث سورية والعراق. فيما جامل "الصندوق" الحكومة لناحية تحقيق مؤشرات مالية مريحة، ومعدلات نمو تكفي لمواجهة التحديات القائمة، من فقر وبطالة خصوصاً.
الدفعة المالية الجديدة من القرض قد لا تهم الحكومة كثيراً في هذه الفترة، مقارنة بتركيزها على الحصول على تقييم ناجح من المؤسسة الدولية التي لا تنظر بعين الرضا للأداء الحكومي، رغم كل الكلام المجامل وتقديم التهاني للحكومة على منجزاتها.
ارتباك الحكومة يتضاعف، وهي تعلم أنها تذهب إلى اجتماعات واشنطن من دون قانون الضريبة "الجديد" الذي يضمن زيادة الإيرادات المطلوبة، بل إن إقرار (مشروع) القانون بشكله الحالي يعد خطوة للخلف من وجهة نظر "الصندوق" والحكومة، رغم أن "الصندوق" أبدى تعاونا في هذه الجزئية، حين سمح باللجوء إلى المنح المؤكدة لتمويل الخسائر الإضافية لشركة الكهرباء الوطنية.
القلق الحكومي تجاه مشروع قانون الضريبة، يقابله سعي النواب إلى شعبية تتأتى من تصوير المجلس مصرّاً على تخفيف العبء الضريبي عن المجتمع، ويحول دون توجيه ضربة جديدة للطبقة الوسطى.
جاءت التحولات الأخيرة لتضيف للحكومة همّا جديدا إلى جانب همومها السياسية والأمنية، في وقت بدأ فيه الفريق الحكومي الذي يضم محافظ البنك المركزي ووزيري المالية والتخطيط، التحضير لاجتماعات "الصندوق" المقبلة في العاصمة الأميركية، لقطع مرحلة طويلة في العلاقة مع المؤسسة الدولية، وهي مرحلة يبدو أنها ستطول.