الحج اشهر معلومات 1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحج أشهر معلومات
موعظة الجمعة 2من ذي الحجة 1435ه

حديثنا اليوم عن أيام المشاعر التي تشتاق إليها أرواح المحبين ومهج المتقين وما أحسن قول عبد الرحيم البرعي وهو يعبر بتعبير صادق في هذ المعنى حيث قال :
يا راحـلـيـن إلــــى مــنــى بـقـيــاد : هيجـتـمـوا يـــوم الـرحـيـل فؤادي
سـرتـم وســار دليـلـكـم يا وحـشـتـي : الـشـوق أقلقـنـي وصــوت الـحـادي
أحرمتـمـوا جفـنـي المـنـام ببـعـدكـم : يا سـاكـنـيـن المـنـحـنـى والـــــوادي
فـــإذا وصـلـتـم سـالـمـيـن فـبـلـغـوا: منـي الـسـلام إلــى النـبـي الـهـادي
ويلـوح لـي مـا بيـن زمـزم والصفـا:عنـد المقـام سمعـت صـوت مـنـادي
ويـقـول لــي يانائـمـا جـــدّ الـســرى:عـرفـات تجـلـي كــل قـلـب صـــادي
مـن نـال مـن عرفـات نظـرة ساعـة: نـــال الـســرور ونـــال كـــل مـــراد
تالله مـا أحلـى المبـيـت عـلـى مـنـى: فـــي لـيــل عـيــد أبــــرك الأعــيــاد
ضحـوا ضحايـاهـم وســال دمـاؤهـا: وأنــا المتـيّـم قـــد نـحــرت فـــؤآدي
لبسوا الثياب البيض شارات الرضا: وأنــا مــن أجلـهـم لبـسـت ســوادي
يـــارب أنـــت وصلـتـهـم وقطعـتـنـي :فبـحـقـهـم يـــــارب حـــــل قــيـــادي
بالله يـــــــازوار قـــبــــر مــحـــمـــد: مــن كــان منـكـم رائـحـا أو غــادي
يبـلـغ إلــى المـخـتـار ألـــف تـحـيـة: مــــن عــاشــق مـتـفـتـت الأكــبـــاد
قـولــوا لـــه عـبــد الـرحـيـم مـتـيّــم:ومــــفــــارق الأحــــبــــاب والأولاد
صـلـى عـلـيـك الله يـاعـلـم الـهــدى: مــا ســار ركـــب أو تـرنــم حـــادي

وقال أخر يصف تلك الأماكن وتلك المشاهد التي مشاها الرهط الكريم من الأنبياء والمرسلين من لدن إبراهيم عليه السلام فهي قبلة العاشقين ومهوى أفئدة المؤمنين فكل من أصحاب القريحة يدلي بدلوه

وفي أم القرى قرت عيونٌ : عشية لاح زمزم والحطيمُ
أولاك الوَفد وفد الله لاذوا : إليه بفقرهم وهو الكريمُ
وطافوا قادمين ببيت ربٍ :فتم لهم طوافهم القدومُ
وبين المروتين سعوا سيوعا : لكي يمحوا شقاءهم النعيمُ
وقاموا في تمام الحج فرضا : وندبا طالبين رضا يدومُ
أدوا في المشاهد كل حقٍ : وما سمعوا ملامة من يلومُ
وراحوا بعد التوديع لما: قضوا تفثاً هناك ولم يقيموا
وعادوا راحلين إلى حبيبٍ : له العلياء والحسب العميمُ
رسول الله اشرف من يصلي : ومن يتلوا الكتاب ومن يصومُ
الحج احد أركان الإسلام ومن أعظم الطاعات لرب العلمين وهو شعار أنبياء الله ,وسائر عباد الله الصالحين وصلوات الله عليهم أجمعين وهي من أعظم العبادات التي تتجلى فيها تعظيم المشاعر , وتعظيم حرمات الله تعالى قال سبحانه وتعالى : ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿22/30 الحج)وفي نفس السورة قال سبحانه : ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿22/32﴾
والكثير من عباد الله ممن لا قدرة لهم إلى والوصول إلى تلك المشاعر المقدسة يطوفون بخيالهم وأعينهم تفيض من الدمع ألا يقدروا ما يحملوا عليه , ورب بعيد بهيكله وقريب بروحه , ورب حاضر بهيكله وخياله بعيد عنه وهذا ما عبر الله عنه واثني به عليهم بقوله تعالى رفع به الحرج عن أهل الأعذار : (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل ,والله غفور رحيم , وعلى الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ) ومن ثنائه صلى الله عليه وسلم :(لقد خلفتم في المدينة رجالا ما قطعتم واديا ولا سلكتم طريقا إلا أشركوكم في الأجر حبسهم المرض ) وفي المقابل توعد الله من يستخف بحرمات الله وبشعائره , وقربان حدوده وتناولها بما لا يحل فقال تعالى عن البيت الحرام :( ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم ) وقال سبحانه وتعالى ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدى حدود الله فألئك هم الظالمون )
فعقل ذلك المصطفون وأدركه العارفون ممن سبقت لهم من الله العناية وكان على رأس القوم إمام المرسلين وسيد الخلق اجمعين اكثر المتقين لشعائر الله تعالى تفخيما وتوقيرا ,وأعظمهم لحرمات الله تعالى مراعاة وصيانة , وأبعدهم عن انتهاك حدوده وتجاوز حماه وفي الحج تجلى تعظيمه صلى الله عليه وسلم لشعائر الحج وحفظه لحرماته من خلال صور شتى كان من أبرزها المبالغة بالغسل عند كل عبادة وعند كل نسك وواجب حتى عدت سنن الغسل في الحج إلى 17 غسلة ففي الاحرام غسل و لدخول مكة غسل ولطواف القدوم غسل ولمزدلفة غسل ولعرفة غسل ولرمي الجمار غسل ..........الخ., لقد تدافع الناس حين بلغهم عزم رسول الله إلى الحج كل يريد السير في رعايته وتحتي لوائه فحج معه صلى الله عليه وسلم جمع غفير من المسلمين هم أفضل ما في الكون في زمانهم ـ ولا احسب أيضا إلا أن يكون وفد الحجيج في كل عام هو أفضل اجتماع على وجه البسيطة ـ ,ولقد اثر رسول الله فيهم اكبر تأثير اذ مارسوا تلك المعاني والمبادئ جماعية وأفعالا بعد ان كانت قد استقرت في نفوسهم فوجههم أحسن توجيه وقادهم ـ بابي هو وأمي ـ أحسن قيادة عرفتها البشرية ولان خُلق رسول الله القران فما كان يأمر آمته بأمر إلا وكان اسبقهم إليه ولا ينهاهم بنهي الا وكان أبعدهم عنه وفي الحج تجلى لديه صلى الله عليه وسلم ذلك الخلق السامي في مواقف عدة وصور مختلفة من أبرزها ما جاء في خطبة الوداع والتي سنتحدث عنها في لقاء الجمعة القادمة إن شاء الله ..., ومنها انه صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي كان يحث أصحابه رضي الله عنهم على البر والاشتغال بالطاعة والخضوع لله , والانكسار بين يديه . كان صلى الله عليه وسلم أكثرهم تضرعا وتقربا وخشية , وأعظمهم ولاء لله وتضرعا اليه وانكسارا بين يديه , ومن مظاهر تلك القدوة التي تجلت في سلوكه صلى الله عليه وسلم زهده في الدنيا , والتعلق بالآخرة .فحج على رحل رث وقطيفة متواضعة,ومنها انه كان يؤدي مناسكه بمنتهى النظام والطمأنينة والهدوء ,وهو ما يفتقده كثير من الحجاج وبالأخص مع كثرة الأعداد الوافدة للحج , فهو صلى الله عليه وسلم عنوان استقامة القيادة وإخلاصها , ودليل إيمانها فيما يأمر به .فما أحرى بان يتأسى الدعاة والمصلحون خصوصا والمؤمنون عموما بخلقه العظيم صلوات الله عليه, ويجعلون للناس قدوة حسنة في كافة الأعمال , وبخاصة في موسم الحج بحيث يكونون اسبق الناس الى فعل الخير ,بعد ان يكونوا قد تزودوا بهذه المحطة الإيمانية الهامة , فيعودون الى بلدانهم قدوة حسنة لغيرهم ,ان لهذه الأيام القادمة أهميتها التي لا تجهل . ففضلها مشهور وعملها مشكور وثوابها مذكور ولا بد أن نذكر ما اختصها الله من الفضل العظيم في كتابه الكريم ,وما أشار إليه صلى الله عليه وسلم تنويها لمزيد فضلها
فضل أيام العشر من ذي الحجة
عشر ذي الحجة فضلها عظيم فهي أيام المشاعر وأيام حج وعبادة وذكر وقد سماها الله الايا م المعلومات واغلب أهل التفسير أن الأيام المعلومات أيام العشر من ذي الحجة , ويليها الايام المعدودات وهي ايام التشريق قال سبحانه وتعالى في سورة الحج:
وَاذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿22/27﴾ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿22/28﴾ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿22/29﴾ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿22/30
حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴿22/31﴾ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿22/32﴾ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿22/33﴾ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴿22/34﴾ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿22/35﴾ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿22/36﴾ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴿22/37﴾
ومن الأحاديث التي تبين فضل أيام العشر وأيام التشريق ,عن ابن عباس رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله الا رجل خرج بماله و نفسه فلم يرجع من ذلك بشيء وجاء في فضل صوم يوم عرفة انه يعدل صوم سنتين , يعني يعدل صوم سنتين ليس فيهما يوم عرفة ,فيستحب بهذه الأيام الاستكثار من ذكر الله عن سائر إعمال البر من دعاء وذكر وتحميد وتهليل واستغفار وصوم , ففي رواية إن المحروم من حرم خير أيام العشر عليكم بصيام التاسع منه خاصة ففيه من الخير الكثير مشاركة للواقفين بعرفة
اللهم أهل علينا هذا الشهر الحرام بالأمن والإيمان والمسرات والغفران واجعل حظنا من لطائفك جما غفيرا كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا ,واكتب لنا فيه ما تكتب به لعبادك الصالحين اللهم ووفق حجاج بيتك لأداء مناسكهم بيسر وعافية وتقبل منهم صالح إعمالهم وأشركنا بالآجر والثواب فقد منعنا العذر إلى بلوغ مبلغهم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين