بدأ التحالف العربي الأميركي ضرباته العسكرية لتنظيم "داعش" في سورية، بعد أن تم توجيه ضربات عسكرية في العراق ضمن سياق تحالف آخر. لقد بات التنظيم يشكل خطراً على الأمن الوطني لسورية والعراق والدول المجاورة ومصالح الدول الكبرى. الرئيس الأميركي باراك أوباما قال أمس: "إن الحرب على "داعش" سوف تستغرق أشهراً"، وهذا يعني أن الحملة ستكون طويلة.
التحالف العربي والدولي ضد "داعش" ليس لديه خطة سياسية معلنة للتعامل مع الأزمات السياسية التي أفرزت ظاهرة "داعش" وغيره من التنظيمات المتطرفة. إذ لم يظهر "داعش" فجأة، بل جاء نتيجة لسياسات قُطرية ودولية وإقليمية منذ أكثر من عشر سنوات، وجراء الاحتلال الأميركي للعراق وانهيار النظام والجيش العراقيين، وتولي أحزاب شيعية طائفية الحكم في العراق، وفشلها في بناء الدولة العراقية الجامعة، ما أعطى مبررات لظهور تنظيم "داعش" في العراق. وفي الجانب السوري، فإن قمع النظام السوري للثورة السلمية في البداية أدى الى ظهور التنظيمات المتطرفة في حرب أخذت أو أعطيت بُعداً طائفياً واضحاً للامتثال الداخلي، وهو أيضاً تعبير عن فشل الدولة في سورية في أن تكون دولة جامعة لكل مكوناتها.
وما فاقم من الأزمتين العراقية والسورية دخول دول إقليمية ودولية على خط الصراع، حيث تلقت التنظيمات المتشددة الدعم المالي والسياسي في الصراع على السلطة في هاتين الدولتين. وهناك جذور سياسية لظهور تنظيم "داعش"، ومن غير المرجح أو من المستبعد هزيمة التنظيم أو الفكر الذي يحمله ويدّعيه من دون مسار سياسي يحفظ مصالح الجميع في سورية والعراق.
وتتمثل نقطة الضعف في الحرب على "داعش" في سورية في أن أغلب أطراف التحالف في حالة عداء للنظام، ولا تعترف بشرعيته، وعليه، فهي لا تستطيع التعامل معه سياسياً بشكل مباشر.
ولا تتوافر معلومات حول ما إذا كانت هناك ترتيبات غير معلنة مع النظام من خلال إيران أو روسيا أو طرف ثالث، ولكن قد تكون هناك ترتيبات أو تبادل للمعلومات الأمنية الخاصة بالعملية العسكرية ضد "داعش".
إن عدم وجود تنسيق ما قد يُهدد فرص نجاح العملية العسكرية هذا على المدى القريب. أما على المدى البعيد، فلا بد من أن يكون هناك تصور لدى التحالف لمعالجة الأزمة السورية، والذي لا يبدو أنه على الأجندة في هذه المرحلة، وبخاصة بعد توتر العلاقات الأميركية/ الأوروبية مع روسيا بسبب أزمة أوكرانيا.
وكانت مشكلة أميركا في إيجاد حل سياسي للأزمة هو عدم وجود شريك سياسي من المعارضة السورية له ثقل عسكري على الأرض. وقد بات من الواضح أن التحالف الجديد بقيادة أميركا يتجه نحو دعم الجيش السوري الحّر عسكرياً، وبناء قدراته ليملأ الفراغ الذي قد تتركه "داعش"، وبما يمكنه من السيطرة على أجزاء مهمة من سورية حتى يكون نداً عسكرياً وسياسياً للنظام السوري، وبعد ذلك المضيُ قدّماً باستئناف المسار السياسي لحل الأزمة السورية، ولكن من موقع قوة هذه المرة في حال استطاع الجيش السوري الحّر أن يحرز تقدماً عسكرياً ومقنعاً. هذه الاستراتيجية تشكل مخرجاً مرضياً للتحالف، لأن عدم وجود شريك مقنع كان نقطة ضعف لأميركا في مؤتمر "جنيف2".
المواجهه العسكرية ضد "داعش" ضرورة لا بد منها، ولكنها وحدها ليست كافية لإنهاء ظاهرة التطرف السياسي في المنطقة. لا بد من وضع استراتيجية سياسية موازية أو متزامنة مع الاستراتيجية العسكرية لمعالجة جذور المشكلة. وإذا لم يتم تطوير هكذا استراتيجية، فسوف يظهر التطرف في أماكن وأشكال اخرى.