خطاب إعلامي رسمي مرتبك ومحير
أخبار البلد - ابراهيم غرايبه
"النظر إلى السياسة من منظور الحقيقة، يضعنا خارج السياسة" (حنا آرندت).
إذا كان هدف التواصل الرسمي مع المواطنين ووسائل الإعلام هو إقناع الناس واستمالتهم إلى جانب السياسة الحكومية، وتقليل الخصومة، والردّ على المعارضين والمشككين، فهل يعتقد المسؤولون أنهم يفعلون ذلك؟ هل يعتقدون (رئيس الحكومة والوزراء والمسؤولون والإعلاميون الرسميون) أنهم يخدمون السياسة والمواقف والقرارات الحكومية ويوضحونها ويقدمونها على نحو مقنع للمواطنين والرأي العام المحلي والخارجي، وأنهم يجتذبون المؤيدين؟
نعلم (يجب أن نعلم) أننا عندما نتحدث عن الحقائق والفضائل الكاملة والمثالية في السلوك والأداء، فإننا بالتأكيد لا نتحدث عن السياسة والحكم والإدارة العامة. ولا يحتاج المواطنون ولا يطالبون (أظن) رئيس الحكومة والوزراء والمسؤولين بعامة أن يكونوا عباقرة مطلقي النزاهة والسلوك، ولا أن تكون السياسات والقرارات الحكومية صائبة تماما أو ناجحة بلا سلبيات وأخطاء؛ فليست هذه السياسة ولا الحياة بعامة.
وإذا كان الوزراء والمسؤولون يعتقدون أنهم مثاليون وعظماء وعلى صواب مطلق، أو يعتقدون أنهم قادرون على إقناع المواطنين بذلك، فهم بالتأكيد منفصلون عن الواقع، أو لا يعرفون الناس والمجتمع، ولم يدركوا بعد مدى عمق واتساع التغير في التواصل والإعلام، وتطلعات المواطنين وقدراتهم ومستواهم المعرفي، أو أنهم أخطأوا العنوان كما يقال.
كل موقف أو حدث أوتشريع أو سياسة عامة أو قرار، يفترض أنه مبني وقائم على معطيات توضح السلبيات والإيجابيات، والمكاسب والمخاسر. ولا يحتاج الناس من المسؤولين الأعزاء سوى أن يوضحوا بقدر ما وهبهم الله من معرفة ومعلومات، وبقدر ما يمكنهم أن يقولوا للناس بلا ادعاء للحقيقة ولا البطولة المطلقة، ويكفيهم أن يقولوا أمرا معقولا بنسبة 60-75 في المائة (ماله الجيد جدا؟) أو بمقدار معدل المسؤول نفسه في الثانوية العامة.
الفهلوة والإنكار تزيد الفجوة وعدم الثقة، وتفتح المجال لتأويلات وتقديرات خيالية ومبالغ فيها. فالناس تعتقد أن السرّ ينطوي على قصة كبيرة يستحي أصحابها منها أو يخافون من إعلانها. والسلوك الإعلامي الحكومي يضج بالارتباك والفهلوة السطحية والعجرفة والمثالية المفرطة المريبة والنفير العام بلا مبرر.. والانفصال عن الواقع إلى درجة الغيبوبة. وفي المحصلة، فإنه يضر الحكومة ويزيد عدم الثقة، ويفتح المجال للاشاعات وتحليلات الخبراء العظام الذين نجحوا في الثانوية بفضل الـ"واتس آب"!