إضعاف مجلس النواب ومنعة الوطن

ليس من مصلحة أحد اهتزاز صورة مجلس النواب أمام الناس، كما هي عليه الحال اليوم. وعلى رأس المتضررين من ذلك السلطة التنفيذية، وإن بدا لها عكس ذلك على المدى القصير. إذ إن استمرار هيمنة السلطة التنفيذية على القرار من شأنه استمرار تحميلها مسؤولية أي تقصير، في غياب نظام من المراقبة والمحاسبة الجادتين، وتعاظم الشعور لدى الناس بأن صوتهم ليس مسموعا بالدرجة الكافية، وأنه ليس هناك من أطر فاعلة تُشعرهم بأنهم جزء حقيقي من عملية اتخاذ القرار.
مجلس النواب مسؤول إلى حد كبير عن تدني شعبيته إلى هذه الدرجة. إذ قام، في الآونة الأخيرة، بتمرير تشريعين من دون تمحيص ملائم. فبعد أن وقفت القوى المحافظة لسنين ضد أي تعديلات دستورية، بحجة أن الدستور لا يمكن ولا يجب تعديله بسهولة (وأذكر جيدا كيف كان يقال لنا هذا الكلام أثناء مناقشات "الأجندة الوطنية")، اكتشف الشعب الأردني أن ذلك كان مجرد حجج تساق للمحافظة على هيمنة السلطة التنفيذية على مجريات الأمور، وأنه بغض النظر عن المسببات، يمكن تعديل الدستور في غضون أسبوع واحد. ثم، جاء تشريع مجلس الأمة لنفسه رواتب تقاعدية أبدية، في ظل وضع اقتصادي خانق، ولتبدو أولوياته بعيدة عن هموم الناس.

لا يمكن تجاهل حالة الغضب الشعبي العام. ولولا تدخل جلالة الملك، لكان يمكن للأمور أن تصل إلى ما لا تحمد عقباه. لكن، لا يمكن أيضا تجاهل أن السلطة التنفيذية هي الأخرى مسؤولة عما وصلت إليه الحال. فقد دعمت مراكز القرار المتنفذة، على مدى سنين، قوانين انتخاب تفرز مجالس نيابية ذات هياكل بنيوية ضعيفة، عن سابق تصميم؛ حتى لا يتم تطوير نظم مراقبة ومحاسبة فعالة. لقد وُئِدت "الأجندة الوطنية" بكاملها -وكان لي شرف المشاركة في أعمالها؛ من توصيات اقتصادية واجتماعية وحلول علمية للتحديات التي تواجه البلد- لأنها تجرأت على اقتراح قانون انتخاب يكسر قاعدة الصوت الواحد الموزع على دوائر متعددة المقاعد، ويبدأ بالتالي بمعالجة الخلل البنيوي الذي لا يؤدي إلى مجالس تعتمد العمل الجماعي وصولا إلى العمل الحزبي؛ مجالس تهتم بأمور الصالح العام أكثر من التركيز على الخدمات الفردية.

ندفع الثمن اليوم؛ شعبا ووطنا وسلطة تنفيذية أيضا. وليس المطلوب الآن الاستمرار في سياسة التشبث بقوانين انتخابية لا تؤدي إلى قيام مجلس النواب بدوره الطبيعي والمطلوب، ولا إيجاد المبرر تلو الآخر لتلكؤ الحكومة في إرسال قانون انتخاب عصري ومختلف لمجلس الأمة؛ فحالة الهدوء التي نشهدها مدعاة لتطوير مؤسساتنا وقوانيننا من دون ضغط الشارع، لا الاسترخاء وإطلاق الوعود والتصريحات التي لا تترجم على أرض الواقع. صحيح أن أي قانون انتخاب جديد لن يؤدي، بين ليلة وضحاها، إلى حل مشاكل البلد، لكن صحيح أيضا أن استمرار حالة الاسترخاء لن تؤدي إلى الهدوء والازدهار المطلوبين، وأن قانونا انتخابيا جديدا أكثر تمثيلا من شأنه تجسير بعض من فجوة الثقة بين الحكومة والناس.

دعونا نتفق على الهدف: منعة الوطن تستدعي عدم الاستمرار في إضعاف مجلس النواب، بل تقويته، حفاظا على سمعة مؤسسات الدولة، وعلى رأسها السلطة التنفيذية. ذلك يتطلب وجود إرادة صلبة للبدء بتغيير الأسس التي قامت عليها قوانين الانتخاب في الفترة الأخيرة. وكما جاء في "الأجندة الوطنية"، فإن "الدقة في وضع الهدف تشترط مراعاة الواقع والأخذ به. كما أن النجاح في المسعى يتحقق فقط بتجاوز هذا الواقع وتطويره على مراحل، وبما يؤدي إلى تأمين حياة أفضل لجميع الأردنيين في مختلف المجالات".