ذهب "هرقلة" وبعثة "الصندوق"
لأن الجميع منشغل بمزاعم وجود ذهب في منطقة "هرقلة" بمحافظة عجلون، لم تلقَ جلسات مجلس النواب الخاصة بمناقشة مشروع قانون ضريبة الدخل اهتماما ملحوظا، رغم أن تأثير هذا القانون في حياة الأردنيين، في حال إقراره، يفوق حتماً في أهميته العثور على دفائن من عدمه.
في الأثناء، تستمر بعثة صندوق النقد الدولي إلى المملكة بعقد اجتماعات متتالية، لإنهاء مرحلة من تقييم مدى التزام الأردن ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع المؤسسة الدولية. وهذا أيضا أمر أكثر تأثيرا في حياة الأردنيين من ذهب "هرقلة" المزعوم بحسب أصحاب نظرية العثور عليه.
حتى هذا الوقت، لا توجد تفاصيل واضحة حول نتائج زيارة بعثة "الصندوق". والإشارات الأولية، رغم الإيجابية التي أظهرتها رئيسة البعثة، كريستينا كوستيال خلال استقبالها من قبل رئيس الوزراء يوم الخميس الماضي، ومباركتها للمنجزات الأردنية الإصلاحية، هذه الإشارات تشي بأن الأمور في الكواليس ليست على نحو ما تظهر عليه في الأخبار. إذ ثمة تفاصيل كثيرة يبحثها الطرفان، على رأسها قانون الضريبة الجديد لناحية إقراره، وحجم الإيرادات التي سيوفرها.
رئيسة البعثة تغادر المملكة اليوم، متوجهة الى واشنطن -وهي التي بدأت زيارتها في الثامن من أيلول (سبتمبر) الحالي- من دون أن تنهي المرحلة الحالية من التقييم لبرنامج الإصلاح الاقتصادي. وحتى اليوم، لم يصدر بيان ختامي، أو يعد حتى مثل هذا البيان بالخطوط الأولى، وفق المتاح من معلومات. والمشكلة هي قانون ضريبة الدخل الذي لم يحسم مصيره بعد، فما يزال بين أيدي النواب.
التحليل وقراءة مزاج النواب بعد ضربة رد قانون التقاعد المدني، يشيران إلى أن النواب ربما يسعون إلى تعطيل القانون، نكاية بالحكومة التي يتهمونها بأنها أوقعتهم في فخ "التقاعد"، بغية ضرب شعبيتهم لدى الرأي العام. وهو ما يحفزهم ربما على مناكفة الحكومة باستخدام قانون الضريبة، لاستعادة جزء من شعبيتهم المفقودة.
في هذه الأجواء، تفضل بعثة "الصندوق" التريث في إصلاق حكمها، ومراقبة المشهد لحين انجلاء الصورة، بانتظار ما سيفعله النواب بقانون الضريبة.
النتائح محصورة بين احتمالين؛ ففي حال أُقرّ مشروع القانون خلال العمر المتبقي للدورة الاستثنائية، يكون ممكناً إخراج التقرير النهائي بشأن تقييم المرحلتين الرابعة والخامسة من برنامج الإصلاح. أما في حال لم يتسنّ ذلك، فسيؤجل التقييم لغاية الاجتماعات السنوية للصندوق الدولي.
الجانب الآخر من المفاوضات بين الحكومة وبعثة "الصندوق" يركز على الإجراءات التي قد تتخذ في العام 2015، والتي ستقوم على أساسها فرضيات الموازنة العامة. وهو أمر سيحسم، على ما يبدو، خلال اجتماعات "الصندوق" السنوية، وستُحدد بناء عليه خريطة الطريق للعام المقبل، لاسيما أنه عام انتهاء برنامج الاستعداد الائتماني (في آب (أغسطس) 2015)، لمعرفة إمكانية تمديده لفترة جديدة.
الفرضيات المبدئية تتمثل في توفير قانون الضريبة "الجديد"، في العام المقبل، إيرادات تعادل نصف نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يقارب 170 مليون دينار؛ فيما توفر إجراءات أخرى ما قيمته 100 مليون دينار إضافية، وبالتالي تراجع عجز الموازنة العامة بنسبة 1 % من الناتج المحلي الإجمالي.
سواء كانت قصة ذهب عجلون حقيقية أم مجرد وهم، فإنها لن تقدّم أو تؤخر خطوة في مستوى معيشة المواطن، بخلاف متطلبات "الصندوق" الإصلاحية، وضمنها إقرار قانون جديد للضريبة. وربما يخدم مزاج المناكفة النيابية للحكومة الأردنيين، بحيث يفشل مشروع قانون الضريبة الذي يوجه ضربة جديدة للطبقة الوسطى، في ظل مزاعم حكومية بأن 97 % من الأردنيين لا يدفعون ضريبة دخل، فيما الحقيقة أن العبء الضريبي يتجاوز 30 % من دخل الأسر، وبما يؤدي إلى إرهاق نسبة كبيرة من العائلات، بحيث تضطر الأردنيات لبيع مقتنياتهن الشخصية من الذهب لتوفير متطلبات حياة فلذات أكبادهن.