حرب جديدة وفشل جديد
لم تتضح بعد جميع تفاصيل الخطة التي سيتبعها التحالف الدولي الإقليمي في حربه الجديدة على الإرهاب. لكن المؤشرات الأولية تنذر بأنها ستكرر أخطاء حملات سابقة.
تتبدى هذه الأخطاء في افتقار التحرك الدولي الجديد إلى البعد السياسي الاجتماعي الفكري، الذي لا يمكن من دونه تغيير البيئة التي سمحت للقوى الإرهابية بإعادة بناء منظوماتها.
فالعمل العسكري يكاد يكون السلاح الوحيد في ترسانة الحلف الجديد. قصف أميركي مكثف لتجمعات داعش في العراق، وربما سورية لاحقا. وبالتوازي مع ذلك تمكين للقوى العراقية المناهضة لداعش، وللمعارضة المسماة بالمعتدلة في سورية، لخوض المعركة على الأرض.
النتيجة الحتمية ستكون إضعاف القدرة العسكرية لداعش ودحرها كقوة عسكرية منظمة. لكن هذه النتيجة لن تحل المشكلة. سيبقى خطر داعش وغيرها من القوى الإرهابية العقائدي والأمني قائما.
ذاك أن التطرف الجديد ولد من بيئة التهميش والقمع والفوضى. وولد أيضا من الانغلاق الفكري والتقوقع المذهبي اللذين غذّيا الانقسامات العمودية وقزّما الهوية الوطنية الجامعة أمام الانتماءات الضيقة، فكوّنا العقائديات الإرهابية التي لن تهزمها جذريا إلا نهضة فكرية تكسر الانغلاق والتقوقع.
لكن ليس هناك ما يطمئن أن التحرك الجديد سيمتلك الالتزام والرؤية لمعالجة جذور الأزمة.
فإزاء الكارثة في سورية، التي أحالها نظام الأسد وعقم المجتمع الدولي وضيق منطلقات تدخل قوى إقليمية منتجا ومستوردا ومصدرا للإرهاب، يبدو التحرك الدولي مفلسا. كل ما يطرحه هو توجيه ضربات جوية لداعش، وتسليح بعض قوى المعارضة وتدريبها. لا وجود لأي مبادرة سياسية شاملة يمكن أن تنقذ البلد من الحرب الأهلية التي تمزقه وتجعله مرتعا لقوى الإرهاب.
والسؤال هو ماذا بعد ضرب داعش؟ هل سيترك الميدان لقوات الأسد لتقتل ولتدمر ولتنتقم؟ هل المعارضة المعتدلة التي يجري الحديث عن تسليحها فعلا معتدلة وقادرة على إنهاء حرب الأسد على شعبه وبناء سورية الحرة الديمقراطية؟
وماذا إن انسحبت داعش من مناطق نفوذها المكشوفة للطائرات وتموضعت بين المدنيين إلى حين سنوح الفرصة للعودة من جديد؟ ماذا أيضاً عن جبهة النصرة التي لا تقل إرهابية عن داعش، وتتمدد في مساحات خارج المنطقة التي ستستهدفها الضربات الجوية؟
في غياب خطة حل سياسية شاملة تجيب عن هذه الأسئلة وغيرها حول اليوم التالي لضرب داعش، سيكون العمل العسكري في سورية إغراقا للشعب السوري في قاع أعمق من الضياع والفوضى. وسيكون الانتصار على الإرهاب مرحليا لأنه سيعيد بناء منظومة عمله في سورية وسينطلق منها نحو الإقليم والعالم.
ولا يبدو المشهد أكثر إيجابية فيما يتعلق بمواجهة الانغلاق الفكري والتمترس العقائدي اللذين يعصفان بالمنطقة.
فهذا ميدان أساسي للحرب لا يستطيع التحالف الدولي خوضه. هذه معركة دول المنطقة وشعوبها. لن تحسم إلا إذا تصدوا هم لها، بعمل جماعي ممأسس يواجه كل التشوهات التي سمحت للإرهاب بارتكاب جرائمه باسم الدين والمظالم السياسية والاجتماعية. لكن كما هي الحال في الجانب السياسي، ما من مؤشر حتى الآن أن هذه المعركة على وشك أن تنطلق.
ستفشل الحرب الجديدة في تحقيق النصر الحاسم على الإرهاب لأنها لن تعالج أسبابه.
وهذا فشل لن يكون من المبرر لوم الولايات المتحدة عليه. أسباب الفشل يتحملها العالم العربي، الذي لم يتبنَ الحرب حربه ويحدد نطاقها. ترك ذلك للولايات المتحدة، فتعاملت مع التحدي الآني وفق مصالحها ورؤيتها للخطر.
لن يندحر خطر الإرهاب في العالم العربي إلا إذا تحمل العرب مسؤولياتهم عسكريا وسياسيا وفكريا. وهذا لم يحدث حتى الآن.