قلق على الأردن
ازدادت خلال الأسابيع الماضية الإشارات المتكررة إلى قلق غربي وإسرائيلي على الأردن من خطر تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وقد تم التعبير عن هذا القلق عبر العديد من التصريحات الرسمية، وعشرات المواد والكتابات الإعلامية، الغربية والإسرائيلية، حتى يبدو للمرء وكأن هذا القلق مفتعل، أو أن خلفه قصة أخرى. بل إن هذا القلق قد فاق مرات قلق أهل البلاد وساستها وجيرانها الآخرين.
كل هذا القلق السياسي والإعلامي لم يصاحبه تقدير موضوعي لمكانة الأردن وسط هذه البيئة الاستراتيجية الهشة والمائعة، ولا تقدير موضوعيا لحركة مصادر التهديد الجديدة، وإلى أين يمكن أن تصل، حتى لو أخذنا بالتحليلات المتخيلة حول تمدد "داعش". فالقليل يطرح "ماذا بعد؟"، ولم نلمس إلى هذا الوقت أي التفات جدي لمساعدة الأردن أو دعمه، بالمقارنة مع حجم القلق الكلامي المتزايد؛ هذا في الوقت الذي فتحت العديد من الدول الغربية جسورا جوية للإمدادات تصب اليوم في كردستان.
معظم تلك المواقف تربط قلقها على الأردن من الخطر القادم من الشرق، بالأوضاع الاقتصادية التي يشهدها الأردن وسط أزمة طاقة قاسية يعود السبب الرئيس فيها للظروف الإقليمية بعد انقطاع امدادات الغاز المصري، وازدياد الأعباء المالية والضغط على الموارد المحدودة للبلاد جراء التدفق الهائل للاجئين السوريين، مقابل عدم وفاء المجتمع الدولي والجيران العرب بالتزاماتهم بتقديم المساعدات.
لقد مضى الوقت الذي يربط فيه دور الأردن بالصراع العربي الإسرائيلي تحديداً، إذ تتبلور الآن مصادر تهديد أعمق، موجهة نحو أهداف أخرى، تعني الغرب والشرق معا، وأهمها الخطر الذي يهدد منابع النفط والمجتمعات المحيطة بها. فقد علمتنا الدروس التاريخية منذ أكثر من ثلاثة عقود، أن هذا النوع من التنظيمات من مثل "داعش" ليس في وارده أي مواجهة مع إسرائيل، وقد أثبتت الوقائع هذه الاستراتيجية عمليا. بل لا تتورع هذه التنظيمات ذاتها عن الحديث عن أولوياتها في "إعادة جزيرة العرب إلى شرع الله" قبل غيرها. في حين أن القراءات الاستراتيجية الإسرائيلية الفعلية تؤكد أن الخطر الحقيقي الذي تخشاه من الأراضي السورية، ومن تنظيم "جبهة النصرة" الذي سيطر على معظم النقاط الحدودية معها، وليس من تنظيم "الدولة الإسلامية".
في الوقت الذي توجد بيئات حاضنة لهذه التنظيمات في تلك المجتمعات، فقد أثبتت المعطيات من دون شك أن أكبر تمويل لجبهة النصرة السورية على سبيل المثال، خلال السنوات الماضية، جاء من رجال أعمال وتبرعات مواطنين في دول الخليج العربي. لقد كان رجل السياسة المصري الأول في حقب قوة مصر أسامة الباز، يقول للرئيس الراحل أنور السادات: "الحركات الدينية سلاح خطر جدا، ما من أحد لعب به إلا ارتد عليه".
لقد أنفقت الولايات المتحدة 25 مليار دولار على تدريب وتسليح الجيش العراقي الذي لم يصمد يوما واحدا في مواجهة "داعش"، ليس لسبب أكثر من افتقاد هذا الجيش العقيدة القتالية. ما يعني عمليا أن قوة هذه التنظيمات ليست أصيلة ولا حقيقية، وأنها تكمن في ضعف من واجهوها. وعودة للفكرة الأولى: هل القلق على الأردن حقيقي؟ أو بعبارة أكثر دقة: ماذا تريدون من الأردن، وماذا فعلتم من أجله؟