نظرة الملك الثاقبة

إن المتأمل والمتفحص لمضمون الورقه النقاشية الخامسة وما إحتوت عليه من مضمون يجد أنها جاءت مبينة ومفصلة للعديد من الأمور التي تتزامن مع المرحله الحالية والمستقبلية من الناحية السياسية والإجتماعية والتشريعية والإقتصادية وغيرها، سيما وأنها تناولت العديد من المفاصل التي لا بد من الوقوف عندها وكذلك الإجراءات الواجب إتباعها وإعادة ترتيبها وتنظيمها بالرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها الأردن الذي جاء قدره أن يكون بين دول بها ما بها من عدم الإستقرار الأمني والسياسي وظهور عدد من التنظيمات الإرهابية والحركات الطائفية والمذهبية.

ولكن ما لفت نظري في هذه الورقة النقاشية الخامسة ما جاء ضمن محطات الإنجاز التشريعي وهو التوجه الملكي لتأسيس مركز للدراسات والبحوث التشريعية يكون الهدف منه دعم عمل مجلس النواب واللجان النيابية المتخصصة ولضمان إستناد عمل المجلس وقراراته إلى الأبحاث والمعلومات المدعومه بالبراهين.
ومن هنا جاءت النظرة الثاقبة لجلالة الملك التي عرف بها على الدوام وهذا التوجه الملكي في ظل التخبط التشريعي الذي نعيشه حالياً فضلاً على التشريعات غير المدروسة من قبل مجلس النواب الأردني – مع الإحترام- والتي غالباً ما تتدخل بها الأهواء والإجتهاد اللحظي والشخصي للقائمين عليها دون دراسة أساس التشريع أو الغاية المرجوة منه أو الهدف الذي وجد من أجله لتنظيم المجتمع.
لذا وبعد التذكير بأن مجلس النواب وحسب أحكام الدستور مناط به دور الرقابة والتشريع وهما دوران هامان متلازمان لهما أثر كبيرعلى حياة المواطن وينتج أثرهما على كافة مصالح المواطن لا بل المجتمع الأردني كالقوانين والأنظمة والتعليمات التي من شأنها تنظيم الحياه بين أفراد المجتمع وصولاً لتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع.
فقد جاءت هذه الإضاءة الملكية لمجلس النواب تحديداً بضرورة إيجاد هذا المركز المختص بالدراسات والأبحاث التشريعية لتفادي حالة التخبط التشريعي عند إقرار القوانين ومن ثم تقديم المذكرات النيابية للرجوع عن تلك القوانين فكما عهدنا سيد البلاد كان سباقاً في وضع الأمور في مسارها الصحيح، ومن هنا فقد وجدت لزاماً علي أن أسلط الضوء أيضاًعلى مسألة في غاية الأهمية فإني أتمنى على هذا المركز بعد إنشائه ووجوده أن لا يتبنى صياغة مشاريع القوانين بالطرق المعروفة وهو وضع نصوص قانونية وفقاً لإجتهادات القائمين عليها كما كان في العديد من التجارب للجان القانونية في مجالس النواب المتعاقبة ويستحضرني في هذا المقام قانون المالكين والمستأجرين الذي خضع لعدة عمليات جراحية وتعديلات على مدار سنوات العمل البرلماني.
وكنت ألمس كقانوني أنها تعبر عن الرأي الشخصي للقائمين عليها ففي إحدى المناظرات التي قمت بتنظيمها إبان كنت رئيساً لملتقى محامي محافظة البلقاء في وقت سابق وكان أحد المرشحين آنذاك قائماً على صياغة وإقرار ذلك القانون حيث أمضى معظم وقت المناظرة وهو يدافع عن قانون المالكين والمستأجرين. ومن هنا فإن الورقه النقاشية الخامسة إذا ما تم العمل بها تعتبر نقلة نوعية في هذا المضمار وإن جاز لي التعبير فلا بد لهذا المركز أن يعتمد الأسلوب الحديث في صياغة وإعداد مشاريع القوانين مستقبلاً وأن يعتمد هذا المركز على الأسلوب الإحصائي بحيث يضع مسودة أو مشروع القانون ويقوم بعرض نصوصه على الفئة المستهدفة من هذا القانون ويقوم بإعداد إستبيان إحصائي محكم تكون الفئة المستهدفة فيه هي من يقع على عاتقهم الإلتزام بأحكام ذلك القانون فمثلاً إذا كان القانون المنوي إقراره هو قانون المالكين والمستأجرين فإنه يجب عمل دراسة ميدانية ويأخذ عينة من تجار وسط المدينة وتجار المحافظات بدأً من العاصمه وإنتهاء بباقي المحافظات وعينات بشكل عشوائي أو وفقاً لما يقرره المختصون إحصائياً ومثال اخر انه إذا كان القانون المنوي تعديله هو قانون إستقلال القضاء تكون الجهه المعنية بالإستبيان هم القضاه والمحامون ورجال القانون في كافة أنحاء الوطن وإذا كان قانون الضمان الإجتماعي فيكون المتقاعدون المدنيون والمنتفعون من صناديق الضمان الإجتماعي هم العينة المستهدفة وهكذا ومن ثم يتم توزيع نتائج هذا الإستبيان ليظهر لنا ومن خلال المسح البياني مدى إمكانية تطبيق القانون من عدمه أم أن هناك عوائق عند تطبيقه.
وبذلك يكون هذا المركز بمثابة مركز دراسات لأخذ قراءات أولية لرأي المجتمع وتحديداً الجهه المعنية بالقانون ومدى توافقه مع إحتياجاتهم أم لا ومدى إيجابية أثره على أفراد المجتمع وبذلك يكون هناك آلية محددة للسير بإجراءات عرض مشروع القانون وإقراره و أو مروره بالمراحل الدستورية المطلوبة وبذلك يكون مجلس النواب مرتاحا في طرحه وموقفه الذي سيكون والحاله هذه مبنياً على دراسة ومسح ميداني وأسلوب علمي وإحصائي واضح محققاً للغاية المرجوة من تعديل القوانين أو إقرار مشاريع القوانين المختلفة وأقرب للعدالة الإجتماعية التي يهدف إليها المشرع وذلك من خلال قياس أثر القانون على المجتمع قبل إقراره من قبل هذا المركز الذي سيعنى بهذا الشأن بتوجيهٍ ملكي سامٍ.
حفظ الله الأردن حصناً منيعاً عصياً على العابثين به وبأمنه.