جمانة غنيمات تكتب : الشعب يريد أرقاما حقيقية

أخبار البلد - منذ نهاية العام 2009 والمالية العامة تتخبط، ووزارة المالية تغرقنا بأرقام مضللة حول حقيقة الوضع المالي الذي بلغه الاقتصاد الوطني منذ ذلك الحين وحتى اليوم.

 

وتبدو صورة المشهد المالي ضبابية وغير واضحة المعالم لدرجة لا تمكّن من الحكم على السياسات المطبقة من قبل الحكومة، الأمر الذي يفتح الباب واسعا لقرارات متخبطة وغير مدروسة من قبل صناع القرار ضمن مساع متكررة لإخفاء الواقع والالتفاف عليه.

 

والبحث في دهاليز الأرقام الحقيقية والربط بينها، يكشف أن المشاكل المالية التي يعاني منها الاقتصاد أكبر بكثير مما يحاول وزراء الاقتصاد في الحكومة التصريح به، وهي مسألة لم يعد ممكنا السكوت عليها، وتتطلب توضيحات وتفسيرات حول ما يجري وتوضيح ماهية الواقع.

 

من المؤشرات التي تحتاج إلى توضيح، قيمة الناتج المحلي الإجمالي الذي تعتمد عليه الحكومة في كثير من القرارات، ويرتكز عليه تقييم مدى الخطورة التي بلغتها أرقام أخرى، خصوصا أن موازنة 2011، تؤكد أنه نما ليبلغ 21 بليون دينار، في وقت لا أحد يعلم من أين جاء هذا الرقم وكيف؟.

 

هذا الرقم مبهم، وعدم معرفة أسبابه وتوضيحه يدفع للتشكيك بأرقام أخرى أكثر أهمية، منها حجم الدين منسوبا لهذا الرقم، والذي تؤكد الحكومة انه لم يتجاوز 60 % من الناتج.

 

بيد أن إظهار الرقم الواقعي والحقيقي للناتج المحلي قد يفضح مسألة مهمة تكشف أن قيمة الدين تخالف القانون وهي أعلي من 60 % من الناتج.

 

غياب الشفافية عن الأرقام ومحاولة التلاعب بها، حالة مسيطرة على المشهد في المرحلة الراهنة، والقيمة الحقيقية لعجز الموازنة العامة أكبر بكثير من الأرقام التي تعترف بها وزراة المالية؛ حيث تؤكد أرقام الحكومة اليوم انه سيصل حوالي 1.16 بليون دينار نهاية العام الحالي.

 

وبالقياس على لعبة الأرقام سنجد أن الرقم سيقفز كثيرا فيما لو أخذنا بعين الاعتبار ديون شركة موارد التي تضمنها الحكومة والمقدرة بنحو 260 مليون دينار، وديون شركة الكهرباء الوطنية والتي تراكمت منذ العام الماضي نتيجة تراجع كميات الغاز المصري وكلفت الخزينة في 2010 نحو 400 مليون دينار.

 

والصراحة المطلوبة في الوقت الحالي والشفافية تقتضيان أن تعلن الحكومة قيمة الكلف الإضافية الحقيقية التي يتكبدها الاقتصاد منذ انفجار خط الغاز المصري بتاريخ 5 شباط (فبراير) والتي تحمل الخزينة مبالغ تصل قيمتها إلى 90 مليون دينار شهريا، وهذه ستضاف هي الأخرى إلى الدين والعجز.

 

والمضي بلعبة الأرقام والابتعاد عن إعلان الحقائق يزرع ألغاما لا ندري متى ستدق ساعتها الزمنية لتسبب انفجارات خطيرة، قد لا يقوى الاقتصاد على مواجهتها أو إطفائها.

 

لا أدري ما هي المبررات الرسمية في إخفاء الحقيقة؛ إذ ليس من المهنية التستر على المشاكل، ضمن محاولات يائسة في علاجها من دون إثارة مخاوف الناس ومضاعفة قلقهم المتصاعد أصلا.

 

ما لا يدركه المسؤولون أن المرحلة الحالية حرجة وحساسة وتقتضي أعلى درجات الإفصاح، لنتمكن من تشخيص وتقدير حجم المشكلة الحقيقي، وذلك كي لا يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، ولا يجد المسؤولون فيه أي مبررات تقنع أيا كان بما وصلنا إليه من ترد.

 

الإفصاح وتوفر النوايا الحقيقية للإصلاح يتطلبان سياسة مكاشفة ومصارحة تعلن الحجم الواقعي للمشاكل الاقتصادية، قبل أن تصل لمرحلة لا ينفع معها التلاعب وتضطر الحكومات مرغمة للوقوف أمام الحقيقة والناس، وتكون مستعدة للحساب.