حماس أمام ثلاثة خيارات صعبة
ليس غريباً أبداً، تلك المماطلة في اعمار غزة، إذ لن تسمح عواصم كبرى، لحركة حماس بالعودة إلى «الحاضنة الشعبية» بأي ثمن بعد هذه الحرب.
هذا كلام قيل مسبقا، وحتى قبل وقف الحرب، وفي مقالة سابقة لي خلال الحرب، تحت عنوان» لهذه الأسباب
لا يريدون دفع دولار للفلسطينيين» بتاريخ الخامس من شهر آب قلت فيه إن اسرائيل وعواصم كبرى سيعاقبون «الحاضنة الشعبية» للمقاومة، ولن يسمحوا، لحماس بالعودة بأي ثمن مقنع، يبرر سقوط الشهداء والجرحى، وهدم الاف البيوت.
هذا ماحدث فعلا، والذي قرأ شروط اتفاقية وقف اطلاق النار، سيكتشف ببساطة، ان مابعد الحرب، أصعب من الحرب ذاتها، فأهم شرطين، كانا اعادة الاعمار عبر السلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا يفرض تواجدا سياسيا وفنيا في القطاع، فيما الشرط الثاني يتحدث عن وجود السلطة الوطنية على المعابر الفلسطينية، والسلطة هنا «كلمة سر» وواجهة لغيرها ايضا، و تعني اعادة القطاع لسيطرة السلطة، وانهاء سيطرة حماس.
شكوى اسماعيل هنية في غزة امام اعلاميين من وجود عراقيل وضغوط للمقايضة على سلاح المقاومة، جاءت متأخرة، لان اطلالة هذه المقايضة واضحة و تم التوقيع عليها في اتفاق القاهرة أساسا.
اعادة الاعمار عبر السلطة الوطنية تعني أن لا دولار واحدا سيتم دفعه لحماس، ويعني ايضا اعادة الحكم في غزة سياسيا وفنيا للسلطة الوطنية الفلسطينية للاشراف على الاعمار.
معنى الكلام ايضا انهم يريدون تعرية المقاومة امام الناس، واضعافها، واظهارها بصورة التي دمرت القطاع، ولم تتمكن من العودة براتب شهر واحد للغزيين، ولا بطن من الحديد او الاسمنت لاعادة الاعمار، وبحيث تتحول كلفة كل هذه الحرب، الى مجرد عدة اميال بحرية يستفيد منها الصيادون لصيد السمك، وهي كلفة لا تستحق كل هذه الدماء، الا اذا كانت قضية فلسطين، باتت قضية سمك وسردين.
في رأي لمحللين فأن الانتصار في المطلق في قصة غزة، يعتريه الغموض، فالانتصار المؤكد هنا تحقق بصبر الناس، وبضرب وجه اسرائيل، واهانتها، وباطلاق الصواريخ، والوصول الى كل موقع، والاضرار بمطار اللد والسياحة والاقتصاد، وافهام اسرائيل ان كل شيء يعد ممكنا، وهذا هو الانتصار الحقيقي الذي لايمكن المجادلة فيه، ولا اللعب على معناه.
غير ان الاتفاقية ومابعدها، ليست انتصارا بالمطلق، وهذا كلام نرى واقعه على الارض، اذ انقلبت السلطة الوطنية على حماس، سياسيا، وعواصم العالم تريد تجفيف فكرة الانتصار، بسلب حماس وبقية الفصائل، الثمن الاجتماعي الذي قد يعودون به الى الناس، وبحيث يصير موقفهم الشعبي محرجا، امام حرب لم يتم قطف ثمارها.
يراد اذن قلب بوصلة الحاضنة الشعبية ضد الفصائل في غزة، وسنرى خلال الايام المقبلة عراقيل غريبة في وجه المؤتمر الدولي لاعادة الاعمار، بحيث تبقى غزة وسط الانقاض، بلا وظائف ولا رواتب، ولااعمار، ولادواء، ولاعلاج، ولاحياة، وبحيث ينفجر القطاع-كما هو مخطط- ضد الفصائل الفلسطينية، التي لم تتمكن من العودة لا باعمار، ولامطار، ولاميناء، ولم تطلق سراح الاسرى، وتتم مقايضتها الان، على الحكم فعليا في غزة.
عقدة غزة تشتد، يوما بعد يوم، خصوصا، في ظل اوضاع الجماعة السياسية الام، التي رأينا بكل حياد خارطتها الاخيرة، وكيف تتعرض لتقلبات صعبة وحادة؟!.
ما الذي ستفعله حماس هنا؟سؤال مهم للغاية، في ظل احكام الطوق عليها، من الداخل الفلسطيني، والاحتلال الاسرائيلي، والجوار الاقليمي والمجتمع الدولي؟!.
على الارجح امامها ثلاثة خيارات وحيدة، اولها بقاء الوضع مأساويا في غزة، وهذا له كلفته الكبيرة على حماس شعبيا، ثانيها الاضطرار الى تفاهمات سياسية، تتنازل فيها حماس امام السلطة ومن خلفها من ارادات، حتى لاينفض الناس من حولها، وثالثها التهديد بحرب اخرى، وهو امر له كلفته ايضا، التي قد لا يحتملها القطاع، ولا أهله.
دعونا نرى كيف ستفك حماس عقدة غزة، التي جدلها العرب والعالم من حول عنق القطاع، في ظل تعقيدات دولية وعربية، وعواصف تهب على المنطقة بلا انقطاع؟!.