مظاهر التفاهم الأميركي مع حركة الإخوان المسلمين

حمادة فراعنة
لم يكن ودياً ، لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع وزير الخارجية الأميركي يوم 22/7/2014 في القاهرة ، ليس فقط بسبب إجراءات الأمن ووسائل التفتيش التي مست الوزير الأميركي جون كيري وإستفزته ، ودفعته للإحتجاج ، بل بسبب مضمون اللقاء وفحوى النقاش الذي إختصره كيري بقوله وطلبه من الرئيس السيسي أن " إرفعوا يدكم عن الإخوان المسلمين " الذي إعتبره الرئيس المصري على أنه تدخل فظ من قبل الأميركيين ، في أكثر القضايا المصرية حساسية ، فمصر اليوم تواجه أربعة تحديات : أمنية وفي طليعتها مواجهة الإرهاب ، وسياسية تتمثل بالإخوان المسلمين ، وإستكمال الخطوات الدستورية بالإنتخابات البرلمانية ، وأخيراً الوضع الإقتصادي الصعب والثقيل ، على حياة المصريين المعيشية والمصحوب بسوء الخدمات ، ولكن الرئيس السيسي الذي وعد المصريين بتحسين أوضاعهم وحياتهم ، لا يستطيع تحقيق ذلك بدون معالجة الوضع الأمني المتفجر بين الحين والأخر بسلسلة عمليات الإغتيال ، والتدمير ، والتفجير للمؤسسات والمنشأت المصرية ، كما لا يستطيع تحقيق ذلك ، بدون تركيع الإخوان المسلمين والتفاهم معهم ، ودفعهم نحو التسليم بنتائج ثورة حزيران 2013 ، والإقرار بإنتخابه رئيساً للجمهورية ، وما يستتبع ذلك من خطوات وإجراءات وتداعيات ومواقف سياسية مستجدة تستجيب للمعطيات المستقبلية .

وتأكيداً للإهتمام الأميركي ، طلبت السفارة الأميركية في القاهرة ، حضور محاكمات قادة الإخوان المسلمين ، بوفد دبلوماسي ، رفضه القاضي ، تمسكاً بالسيادة المصرية ، ورفضاً للمراقبة الأميركية لسير محاكمات الإخوان المسلمين ومرشدهم وقياداتهم ، ليزيد من فجوة الخلاف ، مما دفع وزير الخارجية سامح شكري ليقول علناً لمحطة العربية التلفزيونية ، إن خلافاتنا مع الأميركيين ليست سراً ، وتتعلق بكيفية معالجتنا لمشكلة الإخوان المسلمين ورفع الحظر عنهم ، وضرورة إشراكهم في مؤسسات الدولة ، وأن هذا الموضوع دفع واشنطن لتأخير تسليم أسلحة متفق عليها مع القاهرة ومنها طائرات إف 16 ، بهدف الضغط على الرئيس السيسي كي يتهاون في معالجة قضية الإخوان المسلمين وحلها بأقرب فرصة ممكنة .

علاقات الإخوان المسلمين مع الأميركيين قديمة وتاريخية ، ولم تكن سرية طوال فترة الحرب الباردة منذ عام 1950 حتى عام 1990 ، أو مبنية على التواطؤ ، بل كانت علنية وتحالفية ، قائمة على التفاهم ، وأساسها المصلحة المشتركة ، بينهما ، ضد العدو المشترك : الشيوعية والإشتراكية والإتحاد السوفيتي ، والعمل المشترك ضده حتى تمت هزيمته ، مع نهاية الحرب الباردة ، في نهاية الثمانينات ، وبداية العقد التاسع من القرن الماضي ، القرن العشرين .
ولم يكن التعاون والتنسيق بين الأميركيين والإخوان المسلمين ، ضد الشيوعية والإشتراكية والإتحاد السوفيتي ، مقتصراً على ذلك ، بل إمتد عملهما المشترك ، ليشمل الأنظمة العربية اليسارية والقومية في بلدان العالم العربي ، وبلدان العالم الإسلامي ، ضد أنظمة عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الأسد ، واليمن الجنوبي ، وضد منظمة التحرير الفلسطينية ، وعبر التحالف والتعاون مع الأنظمة العربية والصديقة للولايات المتحدة والمتحالفة معها ، وفي طليعتها النظام الخليجي ، والسادات وجعفر النمري والدولة الأردنية ، وقد جنى هذا التحالف ثمار الإنتصار على الشيوعية والإشتراكية والإتحاد السوفيتي ، بصعود مكانة حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي ، وأصبحت أقوى الحركات السياسية الإسلامية ، العابرة للحدود في العالم العربي ، ومقابل ذلك ، تراجع وضعف دور وثقل أحزاب التيارين اليساري والقومي في العالم العربي .

وبدءاً من أقصى الشرق الإسلامي ، في أفغانستان ، كان لحركة الإخوان المسلمين ، الدور العملي والنظري في رفع راية الجهاد وتوظيفها ضد الإحتلال السوفيتي ، فكان عبد الله عزام ، وبرهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف من قادة الإخوان المسلمين ، الذين قادوا معركة " الجهاد " ضد السوفييت ، وبعد إنسحاب القوات السوفيتية ، وهزيمتهم ، تولى برهان الدين رباني رئاسة الدولة ، وأحمد شاه مسعود نائبه ، قبل أن يتم إغتياله من قبل تنظيم القاعدة ، وحينما إستولت القاعدة بقيادة أسامة بن لادن والملا عمر ، على النظام في أفغانستان ، تحالف الإخوان المسلمون مع الأميركيين مرة أخرى على أثر عمليات سبتمبر في واشنطن ونيويورك في 2001 ، ودخل برهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف مع الدبابات الأميركية إلى كابول ، وتحالف رباني مع صنيعة الأميركيين الرئيس حامد قرضاي ، وأصبح رئيساً للمجلس الأعلى للسلام بقرار من قرضاي ، إلى أن تم إغتياله من قبل تنظيم القاعدة في أيلول 2011 ، بعد زيارته لمصر واللقاء مع المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع في القاهرة ، كما سبق وحصل مع نائبه مسعود .
وفي العراق ، تحالف الإخوان المسلمون مع الأميركيين ، ودخلوا بغداد مع الدبابات الأميركية ، وفي حمايتها وعملوا تحت مظلتها عام 2003 ، وبعد إسقاط نظام حزب البعث القومي ، وتولي " بول بريمر " حكم العراق ، تم تعيين قادة حركة الإخوان المسلمين 1- محسن عبد الحميد ، و2- صلاح الدين بهاء الدين ، أعضاء في مجلس الحكم المحلي ، و3- حاجم الحسني رئيساً للجمعية الوطنية ، و4- طارق الهاشمي نائباً لرئيس الدولة ، في ظل الإحتلال الأميركي ، وبقرار من واشنطن .

وفي عهد مبارك ، طلب الأميركييون ، إجراء الإنتخابات البرلمانية بمشاركة الإخوان المسلمين ، فوافق مبارك مرغماً ، وعقد مدير مخابراته عمر سليمان ، صفقة مع المرشد العام للإخوان المسلمين بمنحهم 88 مقعداً مقابل قبولهم بالتوريث ، وهذا ما تم حيث أعلن المرشد محمد بديع علناً على عدم إعتراض الإخوان المسلمين على توريث جمال مبارك ، على أن يتم ترشحه لرئاسة الجمهورية عبر الإنتخابات ، وهكذا دخلوا البرلمان المصري ، بقرار أميركي ورضى الرئيس مبارك ، مقابل صفقة التوريث .

في أب 2005 ، طلب الرئيس بوش ، من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، إجراء الإنتخابات التشريعية ، وقد حاول أبو مازن تقديم الإعتذار للرئيس بوش ، لأن وضعه كرئيس جديد ، بعد رحيل الرئيس عرفات ، لا يسمح له ، بإجراء الإنتخابات ، ولكن بوش أصر على ذلك ، فقدم أبو مازن ذرائع وإشتراطات على أمل إعاقة إجراء الإنتخابات وتعطيلها ، أو على الأقل تأجيلها ، وطالب أن تتم كما حصلت عام 1996 في عهد الراحل أبو عمار أي أن تشمل الإنتخابات ، 1- أهالي الضفة بما فيهم أهالي القدس ، و2- أن يسمح لكافة الإتجاهات والفصائل بدون إستثناء المشاركة في هذه الإنتخابات ، وقد إعتقد أبو مازن ، بل توهم أن الإسرائيليين سيرفضون مطلبيّ أبو مازن في إجراء هذه الإنتخابات إذ كيف يوافقون على السماح لأهل القدس مرة أخرى في المشاركة بهذه الإنتخابات وكيف لهم أن يسمحوا لحركة حماس بالمشاركة بهذه الإنتخابات ، بعد أن قاطعوها عام 1996 ، وفوجئ أبو مازن أكثر حينما جاء السفير ديفيد وولش نائب وزير الخارجية الأميركي ، وأبلغه أن حكومة إسرائيل اليمينية اللكودية توافق على إجراء الإنتخابات بما يشمل أهالي القدس كما حصل عام 1996 ، ولا يوجد إعتراض على مشاركة حماس في هذه الإنتخابات .

مدير المخابرات الفلسطينية ، اللواء توفيق الطيراوي ، أبلغ رئيسه أبو مازن ، بعد دراسته للوضع ، أن الإنتخابات إذا جرت ستسفر عن نجاح حركة حماس ، فأبلغه أبو مازن ، أن يبلغ الأميركيين بذلك ، فإلتقى مع مدير المخابرات المركزية ، ومع مستشار الأمن القومي الأميركي ، وأبلغهم عن نتيجة دراسته ، فردوا عليه أنهم سيدرسوا تقريره وحصيلة نتائجه وأنهم سيحترموا نتائج التوصيت ، وحينما جرت الإنتخابات يوم 20/1/2006 ، ذهب ياسر عبد ربه وحنا ناصر وأبو هشام مستشار الأمن الوطني فجر يوم 21/1/2006 ، وأبلغوا أبو مازن ، بعد أن صحّوه من النوم أن حماس فازت بالأغلبية النيابية ، فماذا يفعلوا هل يتم إلغاء الإنتخابات تحت أي حجة ، فكان رده أعلنوا الإنتخابات كما هي ، لأن الأميركيين يريدون ذلك !! .
h.faraneh@yahoo.com