الأردن بين زيارة كيري واجتماع «الناتو»
زيارة وزير الخارجية الامريكي للاردن تأتي بعد مشاركة الاردن في اجتماع حلف الناتو في ويلز (بريطاينا)، وبعد تصريحات متكررة للرئيس الامريكي اوباما عن نيته تشكيل حلف لمواجهة (داعش) في العراق وسوريا بل المنطقة، وتكراره الحديث عن اعداد امريكا استراتيجية لمواجهة «داعش» تمتد الى ثلاث سنوات. التصريحات الامريكية لا تنفي وجود هموم اخرى للولايات المتحدة وتوترات لا تقل خطورة بل تفوقها في المنطقة او العالم على رأسها الصراع العربي الصهيوني والتعامل مع تداعيات حرب غزة في ظل عملية تسوية متعثرة بل فاشلة بشكل دفع بعض كتاب ومراقبين امريكيين واسرائيليين الى إحياء مفهوم «السلام الاقتصادي» في توقيت خاطئ يعبر عن ازمة «اسرائيل» والسلطة الفلسطينية اكثر من كونه تعبيرا عن حاجة اردنية قد تفضي نحو تصدير الازمة الى الساحة الاردنية.
الحديث المتجدد عن السلام الاقتصادي ترافق مع زيارة كيري المعلنة للمنطقة، ليزاحم وبشكل مباغت مشروع محاربة «داعش»، اذ تصدر المشهد بعد اتفاق «خطاب النوايا غير الملزم» لتصدير الغاز من المياه الاقليمية لفلسطين المحتلة عام 48 للاردن بقيمة تقدر بين 15 الى 8 مليارات دولار، مشروع ينسجم مع توجهات اقتصادية سابقة اعلن فيها عن اتفاق مع البنك الدولي لتمويل مشروع ناقل البحرين الذي سيكون لـ»اسرائيل» دور فيه ما سيخلق فرصا كبيرة لتشكيل نخبة اقتصادية وسياسية مدافعة عن العلاقة مع الكيان الاسرائيلي باعتبارها منتفعة من التحولات الاقتصادية الكبرى الناجمة عن المشاريع الكبرى المزمع انشاؤها، فالاردن يتواجد في مشاريع ومخيلة واحلام كل الاطراف والقوى الاقليمية المأزومة من الخليج العربي حتى الصحراء الكبرى.
الاطلالة الاردنية على المشهد الاقليمي سواء كان العراقي والسوري او الفلسطيني بقدر ما تعتبر ميزة الا انها في نفس الوقت تمثل نقطة ضعف تجعله عرضة للتأثر بالتوترات الاقليمية وحالة انعدام الاستقرار في الاقليم بل عرضة للابتزاز وللمحاولات المتكررة لتصدير الازمة الى ساحته، فالمبالغة بامكانية ان يكون له دور كبير قد يحوله الى ضحية من ضحايا الفوضى في الاقليم، امر برز في التصريحات المتعارضة للساسة والمسؤولين المحليين والغربيين حول الدور الاردني الممكن في المستقبل القريب للتعامل مع الخطر الذي تمثله «داعش»، فتارة يقتصر دور الاردن على الدعم اللوجستي والاستخباري وتارة اخرى يتم الانسياق وراء تحليلات وادوار اكثر توسعا، امر يصعب تحقيقه في ظل قوة الجذب الهائلة التي يخلقها الصراع العربي الفلسطيني مع الكيان الاسرائيلي.
التجاذبات الاقليمية وحالة التصارع الدولي والاقليمي التي تكثف مشهدها خلال الشهر الماضي سواء بالحرب والعدوان على غزة او من خلال التدهور الكبير الحاصل في سوريا والعراق ولّد حالة من القلق داخل الساحة الاردنية؛ لتأتي المشاركة الاردنية في اجتماع حلف الناتو لتقدم رسائل قوية للداخل الاردني وللقوى الاقليمية المتصارعة، رسالة طمأنة للقيادة الاردنية وللداخل الاردني بأن الدولة مستقرة، ورسالة للاقليم بأن الاردن يقع تحت مظلة وحماية الناتو والقوى الغربية والمساس به يمثل تهديدا مباشرا لهذا القوى، وليس من الجائز ان يتم العبث معه من قبل القوى الاقليمية المتصارعة، الرسالة تتوافق مع حقيقة التوجهات الغربية التي ينصب تركيزها على روسيا وحالة التدهور الحاصلة في شرق اوكرانيا، فداعش ما زال من منظور غربي تهديدا يحتل المرتبة الثانية او الثالثة وقد تكون الرابعة بل ان البعض يرى فيها وهما كبيرا في ظل وجود قوى اقليمية كبرى كايران وتركيا والسعودية.
الرسائل الايجابية التي تلقاها الاردن بمشاركته في اجتماع الناتو باتت عرضة للانتكاس نتيجة ضغط الحاجة الذي تبديه واشنطن لاستعراض قوتها في الاقليم واظهار جهوزيتها وتوافرها على استراتيجية لمواجهة التهديدات الاقليمية، في مسعى لارضاء حلفائها الاقليميين العرب او الاسرائيليين، الا ان السياسة الامريكية في انماطها الممارسة خلال السنوات الست الماضية تثبت أن الخطوات الامريكية لا تكتمل في العادة وتنتظر كما غيرها امكانية التحسن التلقائي او انتقال الازمة الى خصومها حيث بات تدوير الازمة احد الالعاب المفضلة للقوى الاقليمية والدولية في منطقتنا العربية.
في كل الاحوال تراكمت الازمات في الاقليم بل في الساحة الدولية وبات من الصعب طرح استراتيجيات لمواجهة هذه التحديات دون استنزاف كافة القوى الاقليمية واستهلاك مزيد من الرصيد الاستراتيجي، وهي مغامرة خطرة وغير محسوبة تحاول الادارة الامريكية كغيرها تجنبها من خلال المناورة لكسب الوقت وتسكين الازمات، فمن الخطأ الاعتقاد بأن امريكا تملك استراتيجية خطأ سيقود من يقتنع بوجودها الى الغرق في فوضى ناجمة عن محاولات امريكا المتواصلة لادارة الازمات وتسكينها وليس مواجهتها والتصدي لها.