الأردنيون وفوبيا "داعش"!

لا أقصد، هنا، التقليل من خطورة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ولا الاستهتار بما يحمله من دلالات وتداعيات مقلقة. لكن تصيبني الحيرة وأنا أتابع حجم الاهتمام بالتنظيم، والنقاشات الإعلامية والسياسية والشعبية حول ما يمثّله من خطر على الأمن الوطني الأردني، بشأن كيفية بناء جدول الأولويات الوطني من قبل النخب السياسية والإعلامية!
تكمن المشكلة الجوهرية اليوم في تضخيم حجم هذا الخطر، وتوظيفه بوصفه مصدر التهديد الرئيس للأمن المجتمعي والوطني، بينما لا تحظى أخطار حقيقية تهدد فعلاً الوطن والمستقبل والسلم الاجتماعي، بواحد بالمائة من هذا الاهتمام لدى السياسيين والإعلاميين؛ من مثل التراجع الكبير في التعليم الجامعي، وصعود الجريمة، من قبيل سرقة السيارات والسطو، وانتشار المخدرات، والعنف الاجتماعي، وانتشار السلاح، وتغول قيم الربح السريع الفاحش على القيم الأصيلة والرسالة المهنية والأخلاقية في قطاعات حيوية في مجال الطب والتعليم في القطاع الخاص، ما وصل في بعض الأحيان إلى مرحلة "الفضائح الوطنية"!
ما هو أخطر من "داعش" اليوم، تداعي منظومات القيم الأخلاقية التي تحكم المجتمع، وانهيار السلطة الأخلاقية للدولة مع شعور الناس بضعف مبدأ حكم القانون والمواطنة، وما خفي كان أعظم من أمراض بدأت تسري في أوصالنا الاجتماعية، تأثراً باختلال مفهوم العلاقة بين المجتمع والدولة من زاوية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والشعور بالحرمان الاجتماعي والفجوة الطبقية السافرة التي تتجذّر في مناحي الحياة المختلفة من زاوية أخرى.
تكفي فقط، هنا، العودة إلى الأرقام التي ذكرها المسؤولون الأمنيون بداية حزيران (يونيو) الماضي (خلال مؤتمر صحفي) عن الجرائم والمخدرات والدعارة والمطلوبين للقضاء، كي ندرك حجم الأخطار الداخلية التي تهدّدنا. فوفقاً لبيانات مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، في رصد نمو الجرائم وانتشارها، فإنّ النسبة المئوية للزيادات فقط ما بين العامين 2005 و2013 فلكية، تصل في المخدرات مثلاً إلى 219 %، وتتحدث التقارير الأمنية عن ضبط 3863 قضية في النصف الأول من العام الحالي وحده.
كما تشير بيانات مركز الدراسات بين العامين 2005-2013، إلى ارتفاع نسبة إطلاق العيارات النارية إلى 540 %، والاعتداء على الموظف العام إلى 61 %، والبغاء إلى 153 %، والشروع بالقتل إلى
141 %، وسرقة السيارات إلى 64 %.
بالنتيجة، مثل هذه المؤشرات والمعطيات عن الأزمات الداخلية هي التي تمثّل مصدر التهديد الحقيقي للأمن الوطني والسلم الاجتماعي الأردني؛ وربما هي التي من المفترض أن تمثّل المدخل الصحيح لدراسة خطر "داعش" على الأردن بوصفه تياراً متشدداً ينمو في أحشاء المجتمع، جرّاء الاختلالات الداخلية، بدرجة رئيسة، والبيئة الإقليمية وما تخلقه من صراعات وتجاذبات تتطلب تصليباً للجبهة الداخلية، يتأسس على إدراك أهمية مشروع الإصلاح المتكامل في مواجهة النزعات المتطرفة دينياً واجتماعياً، سواء تبدّت بـ"داعش" أو بالمخدرات أو العصابات الجرمية أو انتشار السلاح أو استسهال القتل..!
وربما هذه القراءة تبدو غائبة لدى المسؤولين والسياسيين، عندما يتم اختزال "داعش" في سؤال المشاركة من عدمها في التحالف الدولي الإقليمي، أو في عزل الظاهرة عن شروطها ومدخلاتها السابقة محليّاً؛ بينما القراءة الصحيحة لها تتمثل في أنّها مخرجات ونتائج لشروط واقعية موضوعية؛ فهي نتاج طبيعي للأزمات الداخلية، وللبيئة الإقليمية المضطربة من جهة، وخطورة "داعش" لا تقف عند حدود "التنظيم" القائم في العراق والشام، بل في أنّه أصبح حالة ثقافية وفكرية تنتشر في أوساط الشباب العربي المحبط المحتقن!
نمو التيار الراديكالي الداخلي يتوازى ويتجاور مع نمو مستوى الجرائم والمخدرات والعنف الداخلي وغيرها من مشكلات متعلّقة بالفراغ السياسي لدى جيل الشباب، وبعدم وجود البدائل العقلانية الواقعية أمامه لتوجيه الطاقات في المسار الصحيح.