حرب غزة.. هل انتصرت المقاومة؟

السؤال: من انتصر في حرب غزة الأخيرة ومن انهزم، سؤال سوف يبقى بغير إجابة شافية، ما لم يُعرّف معنى الانتصار والهزيمة. فما حصل ليس حربا بقدر ما هي معركة محدودة بالزمان والمكان والهدف. وهي، لهذا، كانت، في الأساس، معركة بدأتها إسرائيل لتحقيق أهداف تكتيكية بعينها تساعدها في إزالة اية عقبات تعوقها عن مواصلة استباحتها للأرض والشعب الفلسطينيين، في زمن عربي رديء ظنته ملائما فاستغلته.

لقد كان واضحا منذ إعلان الفلسطينيين، في تموز الماضي، التوصل إلى مصالحة بينهم، أنها قررت استخدام الأوضاع في غزة لإفشالها معتمدة على أن حلفاءها يعتبرون حماس منظمة "إرهابية." ثم فجأة سقطت بين يديها مناسبة لم تكن تحسب حسابها وهي قتل المستوطنين الثلاثة في خلاف بينهم داخل مستوطنتهم لشن حربها، كما صار معروفا.

لقد استهدفت بحربها هذه تحقيق خمسة أهداف، هي بالإضافة لإفشال المصالحة الفلسطينية إياها، (1) نزع سلاح المقاومة في القطاع؛ و(2) تدمير غزة تحت الأرض أو أنفاق غزة؛ ثم (3)استخدام كل ما تستطيعه للانتقام من الشعب الفلسطيني المدني الأعزل، لتضمن، تحت تهديده بالموت والدمار، معارضته القوية لكل تعرض فلسطيني مسلح لها، في غزة، كان ذلك، أم في الضفة الغربية؛ واطلاق يدها في استباحة الأرض والشعب الفلسطينيين، من دون مقاومة. وهي لذلك لم توفر جهدا أو سلاحا لتدمير مواقع مليئة بالمدنيين العزل، والإيغال بقتلهم، بقصد خلق قناعة لديهم، في أن أي حرب قادمة سيتحملون هم، وليس المقاتلون، كل نتائجها؛ ثم (4) الاستعانة بأصدقائها لإفشال حملة أل(BDS،) الحملة الدولية ضدها تحت عنوان (إجراءات مقاطعة وعزل سياسة إسرائيل العنصرية) وكادت تنجح حين وقف أوباما أمام الإيباك ليؤيد حقها في الدفاع عن نفسها ضد صواريخ حماس. لكنه اضطر للتراجع أمام الفظائع والجرائم التي اقترفتها إسرائيل وأثارت غضب العالم.

فشلت إسرائيل في هذا كما فشلت في تحقيق أي هدف من الأهداف الثلاثة السابقة. وكادت أن تفشل في القضاء على وحدة المقاومة حين تصرفت كل هذه المنظمات، أثناء القتال، كما لو كانت تأتمر بأمر مركزي واحد. يمكنني القول، هنا، أيضا، بأن إسرائيل قد خرجت مما سمته بمعركة" الجرف الصامد" منهزمة هزيمة سياسية لم يحسبوا حسابها.

ولم تكن مصادرتها 4000 آلاف دونم في بيت لحم سوى شكل من اشكال الإصرار الفاشل على تناسي عمق تلك الهزيمة التي سيكون لها ما بعدها، بكل تأكيد.

في ضوء ذلك كله، جاء الحديث عن الخلافات بين السلطة وحماس، كما نشر موقع (الأخبار أون لاين) محاضر اجتماعاته في قطر، مفاجئا ومحزنا بل ومخيبا لكل أمل.

لقد استخدمت إسرائيل وعملاؤها لطفهم المصطنع لإقناع من يريد الاقتناع، حتى من دون برهان، على أن ثمة مؤامرة حمساوية ضد السلطة في الضفة. ثم سارعت إسرائيل ودوائر استخباراتها لنفي هذه الواقعة، ولكن بعد أن نفذت ما كان يراد منها أصلا، وهي فقدان الثقة وحسن النية بين قيادات السلطة وحماس.

ما يخفف الصدمة أن الحرب طويلة وأن أهدافها يمكن تحقيقها بانتصارات، مهما كان مداها وتأثيرها، تحققها المقاومة الفلسطنية المسلحة والسياسية تتراكم بعضها فوق بعض لخلق واقع سياسي جديد في المنطقة والعالم وفي العلاقات وعلى ساحات الصراع في فلسطين.

لقد قامت إسرائيل، بالجرائم التي اقــــــترفتها في غـــزة والضفة الغربية، معركة بعد أخرى، بتدمير مصداقيـــــــــتها وذلك بخرقها، بصلافة عنصرية بغيضة، قواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان وكل قاعدة أخلاقية إنسانية يمكن أن تبنى عليها مشروعيتها في الصراع، كما قال منتجمري في كتابه "زيارة جديدة للتاريخ."

قول إسرائيل أنها ردت على صواريخ حماس دفاعا عن نفسها فيه الكثير من التجاوز الواضح على الحقيقة. فحماس كانت هي التي تتلقى صواريخ إسرائيل وقنابلها من الجو والأرض والبحر تستهدف المدنيين العزل في أحيائهم، وفي المدارس والمستشفيات وكل أماكن لجوئهم. فهل كان عليها أن تقف مكتوفة الأيدي من أجل الرد الكلامي على إسرائيل؟

لقد قتلت إسرائيل وجرحت 22 ألف غزي مدني. وخسرت في معركتها 70 عسكريا. ألا تكفي الأرقام لمحاكمتها؟ لقد فقدت إسرائيل، هنا، مشروعيتها، فظهرت على حقيقتها: كيانا أبارتايديا عنصريا على طريقة نظام جنوب افريقيا العنصري. وهي على وشك أن تفقد احترامها في عقول الناس عبر العالم.

فالحرب ليست أسلحة متقدمة فاعلة، وحسب، بل هي صراع على الخلاص من الشر والجريمة، وهي صفات تتصف بها إسرائيل ويمينها المتطرف.

لقد هزمت إسرائيل في غزة هزيمة مؤكدة لاتزال تتطور نحو انكسار تام، يراه العالم ينمو على مهل ترتوي جذوره بدم الفلسطينيين المراق في ساحة معركة لا يملكون، فيها، سلاحا غيره.