بين يدي مؤتمر الاصلاح


يلتئم شمل مئتين من شخصيات إخوانية معروفة، في مؤتمر داخلي مسؤول، لمناقشة ما آلت إليه أوضاع الجماعة على جميع المستويات الداخلية والخارجية التي تنذر بالخطورة الشديدة والتدهور المريع، فكرياً وسياسياً وإدارياً، إذا بقيت الأمور على ماهي عليه من حيث تجاهل القيادة المتنفذة لنصيحة الناصحين وبقائها متمسكة بمقولات بعض زعماء العرب المنخلعين، الذين كان خطابهم لمن خالفهم الرأي متمثلاً بالقول : «من أنتم ؟!» وقول الملأ لأتباع دعوات الاصلاح عبر التاريخ : «إنهم لشرذمة قليلون».
الملاحظة الأولى المقروءة من خلال مايصدر عن الفريقين من تصريحات، فالفريق المتنفذ يقول : الجماعة في أحسن صورها، والجماعة في أبهى حللها، والفريق الآخر يذهب إلى النقيض تماماً بـ «180» درجة، مما يدل على مقدار الفجوة وعظم الهوّة بين الطرفين، وإذا كان الاختلاف في قراءة المشهد الداخلي على هذا النحو، فهو مؤشر في غاية الخطورة، يجب على القيادة أن لا تغمض عينها عن هذه الحقيقة.
الملاحظة الثانية تتعلق بالتباين الفكري، فالذين يجتمعون في مؤتمر الاصلاح يذهبون إلى القول : بأن الذين يتصدرون المشهد لا يعبّرون عن فكر الإخوان الأصيل، ولا يعبرون على فكر الإمام الشهيد المؤسس حسن البنا، وخليفته حسن الهضيبي، ويرون أن بعضهم مازال حتى هذه اللحظة يؤمن بخطاب التكفير، وعدم المشاركة في الحكومات الجاهلية والمجتمعات الجاهلية، وبعضهم يقترب من فكر القاعدة، وفروعها في المنطلقات والأسس، وإن كانت القاعدة أكثر صدقاً مع نفسها وأكثر انسجاماً مع منطلقاتها في سلوكها.
الملاحظة الثالثة تتعلق بمسألة شرعية الانتخابات الداخلية ومدى الاعتماد عليها في رفض الاصلاح الداخلي، وهنا يجدر التوضيح أن فريق مؤتمر الاصلاح على يقين بأن هناك مالا سياسيا، ودفعا للاشتراكات وشراء للذمم، وآلة إعلامية أقدمت على تشويه الخصوم من خلال الاتهام بأنهم رجال الدولة ، أو الاتهام بالأردنة وماشابه، بحيث أصبحوا على يقين بأن هذه الانتخابات ليست نزيهة مطلقاً، وهي إفراز تنظيم داخلي سري يجيد «الكولسة» مما يجعل التمسك بمقولة الانتخابات أمر يحوي قدراً كبيراً من الخداع والتضليل لقاعدة التنظيم وهيئتها العامة، ويطعن بمبدأ الاعتماد على شرعية الصندوق.
الملاحظة الرابعة أنه يجري اصدار أوامر بمنع الأفراد من الحضور، بل ومن مجرد الاستماع للرأي المخالف، ويتم تهديد كل من يحضر أو يستمع بالعقاب بالفصل والتجميد، وهذا السلوك يخالف العقل والشرع، إذا لا يجوز أن يمنع الإخوان من استعمال عقولهم، ولا يجوز ممارسة منطق الوصاية على الأفراد أو إلغاء عقولهم، واعتبارهم غير راشدين وغير قادرين على التمييز، فهذا تعسف مرفوض لحق السمع والطاعة ويتناقض مع جوهر فكرة الجماعة.

الملاحظة الخامسة : هؤلاء المجتمعون أفراد في التنظيم، وأعضاء في الجماعة، وهم حريصون على جماعتهم مثل حرص القيادة الحالية وزيادة، وينبغي سماع ما يقولون من آراء وأفكار ومناقشتها بالفكر والحوار الهادىء والحجة، بعيداً عن منطق المزاودة، وبعيداً عن منطق التشويه والتخوين، ودون استعمال لمنطق السمع والطاعة العسكري الصارم الذي يمنع الناس من مجرد الاستماع على الرأي القائل : « لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه»، ولا يجوز أن يتسلل أي أحساس لمن وصل إلى موقع القيادة بأنه الأكثر حرصاً على الجماعة ومستقبلها يمنعه من سماع النقد والنصيحة، أو أن يتعسف في الحجر على عقول الإخوان.
إن مجرد تداعي هؤلاء للحضور والنقاش يشكل دليلاً على انتمائهم لجماعتهم، وحرصهم على مستقبلها في ظل قناعاتهم التي اجتمعوا عليها وتوصلوا إلى تشخيص وضع الجماعة بأنه وصل إلى مرحلة الخطر التي لا يجوز السكوت عليها أو انتظار مزيد من التدهور المريع.
إن المشاركة بالإتهام للمجتمعين سلوك غير شرعي وغير حضاري ولا تنظيمي صحيح، ولا يعبر عن عن منهج الجماعة، الذي يقوم على الحوار واستعمال لغة العقل الهادئة، لأن الرّباط الذي يربط بين الأعضاء هو رباط فكري دعوي اخلاقي، بعيدا عن أي سمة من سمات الغلظة والفجاجة والعداوة والبغضاء، حيث أن هؤلاء يمارسون حقهم الشرعي والتنظيمي، رضي من رضي وغضب من غضب.
أما الذهاب إلى هذا الاسلوب في الاصلاح، فما كان هذا ليجري على هذا النحو إلّا بعد أن سدت جميع الأبواب أمام الحوار، واغلقت جميع النوافذ أمام استماع النصيحة، وبعد التأكد من عدم وجود أي إرادة لإجراء مراجعة في ظل التغيرات الكبيرة الجارية على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي، بل تطورت الأمور إلى اغتيال المخالفين وتشويه صورتهم أمام الأتباع والمؤيدين، واستخدام الإعلام لهذا الغرض، ومن باب اعتبار هذا الشأن ليس شأناً خاصاً، بل شأن أردني، وشأن عربي وشأن إسلامي أيضاً.