ايديولوجيا الحرس القديم تصارع في الكواليس ضد الحريات

 

 التعبئة المضادة التي تشهدها اروقة المساحات المؤيدة للسلطة في الاردن سواء داخل البرلمان او خارجه في الاتجاه المضاد للمسيرات والحراك الاجتماعي تعكس مجددا وجود طبقة متكاملة من نخب القرار والدولة مهتمة بعرقلة اي حراك اصلاحي في البلاد وتقاتل لصالح ابعاد مفهوم 'الدولة المدنية' قدر الامكان عن البلاد، ليس فقط حفاظا على ايديولوجيتها المعارضة للتحول الديمقراطي، ولكن ايضا على مكتسباتها ومصالحها الضيقة التي تتكاثر وتتوالد فقط عندما تغيب الديمقراطية.

وهذه التعبئة عبرت عن نفسها اكثر من مرة مؤخرا سواء عبر دعوات برلمانية فردية تنظر للبلطجة في مقابل مسيرات الحراك الاجتماعي او عبر مداخلات داخل مؤسسة القرار توصي بالقمع في مواجهة الاستعصاء السياسي او حتى عبر اجتهادات لا زالت تحترف تخويف النظام من وقوع الدولة بأحضان الاسلاميين، وتتطرف احيانا لتفترض انقسامات خطرة في بنية المجتمع اذا ما انتهى المشهد بتحولات اصلاحية حقيقية.

ومن الواضح جدا ان الاساس الفلسفي لكل التحذيرات التي يسمعها اصحاب القرار من النخب الكلاسيكية او من الحرس القديم تستند الى تصدر التيار الاسلامي لفعاليات المطالبة بالاصلاح باعتباره 'البعبع' الذي ينبغي ان يخيف الجميع وعلى اساس ان الاسلاميين هم 'عدو الدولة' وخصوم النظام الاساسيين في هذه المرحلة.

هذه الحيلة الاعلامية رد عليها المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين الشيخ همام سعيد عندما استعرض امام 'القدس العربي' محطات من وقوف الجماعة مع النظام طوال نصف القرن الماضي فيما يعتبرها الشيخ علي ابو السكر مجرد محاولة للهروب من استحقاق الاصلاح الحقيقي.

وابو السكر سئل على شاشة تلفزيون محلي قبل فترة وجيزة عن نصيحة يوجهها لرئيس الوزراء الجديد معروف البخيت فقال: انصحه بالالتزام بتطبيق بنود خطاب التكليف الملكي.

وهذا الموقف يستند اليه الاسلاميون في تفسير حراكهم الوطني وسعيهم للاصلاح فقد سجلوا عدة مرات بان القصر الملكي يتبنى برامج اصلاح منتجة جدا وتستوجب الدعم والشيخ سعيد قال للصحافيين انه ورفاقه خرجوا بحالة ارتياح جدا من جولة الحوار الاخيرة التي جمعتهم بالملك شخصيا، مما يؤشر على ان خطاب التيارات المعارضة يحاول دفع سلطات التنفيذ للقفز الى مستوى مبادرة المؤسسة المرجعية التي تطرح تصورات للاصلاح يقول المحلل السياسي اسامة الرنتيسي انها تمثل سقفا مرتفعا جدا لو وجدت من يلتزم بها في السياق التنفيذي.

لكن اختباء الاسلاميين وغيرهم من نشطاء الحراك السياسي لا يعفيهم في الواقع من الاتهامات التي يروجها رموز التعبئة المضادة بهدف تخويف النظام وماكينة القرار من جاهزية التيار الاسلامي للسلطة ومن كلفة الاصلاح اجتماعيا.

يحصل ذلك وسط تزايد في قناعة الرأي العام بأن الخصوم الحقيقيين للنظام ليسوا هم من يخرجون للشارع لايصال صوتهم الذي خنقته صناديق الانتخاب المزورة بل من زورا الانتخابات بدون مبرر ومن ينصحون النظام حاليا بقمع مظاهر التعبير السلمية ويشككون بنواياها، وكذلك من يبرمجون تعبئة مضادة بائسة تحاول اقحام المؤسسات الدستورية والمرجعية في الصراع السياسي من اجل التحول الديمقراطي.

ومظاهر هذه التعبئة تعددت مؤخرا ومن اشكالها محاولة التصدي بالقوة عبر عصابات من الاشقياء للمسيرات وتعطيل حركتها، وكذلك القاء خطابات برلمانية وتعليقات منتقدة للمسيرات والضغط على الحكومة في الكواليس لتفعيل آليات قمع المسيرات ووقفها واتخاذ البعض لمواقف تشريعية مضادة لحقوق الاجتماع وحريات التعبير.