«داعش» والأردن والحرب الفكرية
انتشار القلق لدى الأردنيين على اختلاف تلاوينهم ضمن الطيف الوطني من الحالة (الداعشية)، ومدى إمكانية تمددها نحو الداخل الأردني، أو مدى قدرة الاردن على الصمود في وجه انهيارات المنطقة، قد يكون فرصة حقيقية لتحديد الإرهاب كعدو للأردن، وبذلك فإن حربنا على الإرهاب يجب أن تدرك أن أساس الحرب هذه المرة هو الأفكار، أي أن الحرب هي حرب فكرية في المقام الأول.
والحرب الفكرية والأيدولوجية هي صدام بين رؤى منظمة ولكل منها منهجها، ومن أبرز الحروب الفكرية في التاريخ البشري الحديث هي الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وما ترافق مع هذه الحرب من استخدام لأدوات سياسية واقتصادية وسباق تسلح، وكذلك الإعلام التقليدي أو الإعلام غير التقليدي (في حينها)، والمقصود هنا الأدب والفن والسينما، حيث استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية استخدام سلاح الفن والسينما لتسويق (الحلم الأمريكي) لشباب العالم.
وقبل الخوض في الحرب الفكرية علينا أن ندرك أنها حرب معقدة بطبيعتها، فهي حرب أيدولوجية والصراع فيها صراع وجود لا صراع حدود، ويتوجب على الدولة امتلاك كوادر مختصة لخوض مثل هذه الحرب على مستوياتها كافة، واتقانها في استخدام الأدوات الخاصة بهذه الحرب من مفاهيم وشعارات وصور وغيرها من الأدوات، والتي ترتبط معظمها بالإعلام.
كما تبرز أهمية وزارة التربية والتعليم والجامعات في مثل هذه الحروب، حيث يأخذ المنهج الدراسي بعداً جديداً، حيث يتم تحصين الطلبة من خلاله عبر ما يقدمه من معرفة صحيحة لعدد من المفاهيم كمفهوم الدولة والمجتمع والمؤسسات الدستورية، ويظهر دور الجيش والأمن، ويتبنى صورة الإسلام الحقيقية التي تحترم الآخر وتعلي مبدأ الحوار، وهو الأمر الذي يتطلب عملاً جاداً في إعادة بناء منظومة فقهية تستند إلى النص القرآني وتفسيره الصحيح.
فتحصين طلبة المدارس والجامعات ضروري لأن الشباب أصبحوا أدوات في أيدي التنظيمات الإرهابية، يتلاعبون بهم عبر لي عنق النص الديني وتحت مسمى الجهاد.
ورغم ضراوة الحرب الفكرية واستنادها إلى الايدولوجيا، فإن هذا النوع من الحروب نادراً ما يتم حسمه بناءً على ما تتمتع به الأفكار من قوة أو مزايا، بل إن الأحداث التي تجري على الأرض هي التي تساعد على انتصار طرف ضد الآخر، ففي الحرب الفكرية للأفعال المادية أهمية أكبر من الأفكار ذاتها.
وهو ما يعني أن أية استراتيجية للحرب الفكرية في مواجهة الإرهاب يجب ان تولي اهتماماً كافياً للأحداث العملية التي تجري على الأرض وكيفية التعامل معها والاستفادة منها، فالتنظيمات الإرهابة تحارب مدعية خدمتها غاية عليا، وفي سبيل ذلك يستخدمون أساليب عدائية لإظهار قوتهم وبث الرعب في نفوس الآخرين، مبررين الأفعال العدائية ومسبغين عليها الشرعية.
وفي حالة الحرب على الإرهاب من منظور الحرب الفكرية والأيدولوجية يجب أن تتبنى الدولة على مختلف مستوياتها ومؤسساتها خطاباً موحداً، مع ضرورة وجود خبراء في مجالات الإعلام وعلم النفس وعلم الاجتماع، على أن لا يتم إهمال فئتين مهمتين من خطاب الدولة، الأولى هي أولئك الذين يميلون لفكر داعش، والثانية هم أولئك الذي انضموا لداعش فعلاً.
الحرب على الإرهاب هي حرب ميدانية استخباراتية فعلاً، ولكنها في حقيقتها حرب فكرية وأيدولوجية، وصراع طويل بين معسكرين.