ما سرّ الحماسة الغربية لتسليح.. «البيشمركة»؟

يُبلي المقاتلون الاكراد الذين ينضوون تحت راية البيشمركة والاسايش (الأمن) التابعة لأقليم كردستان... بلاءً حسناً، بعد ان تقهقرت على نحو مثير ولافت بدت فيه وكأنها مجرد قوات مترهلة غاب عنها ذلك «المجد» الذي احاط بها والدعاية التي رافقتها خلال تمردها على الحكومة المركزية في بغداد وايقاعها الخسائر في صفوفه وصولاً الى استفادتها من الظروف المستجدة التي خلقتها هزيمة الجيش العراقي امام التحالف الثلاثيني الذي قادته الولايات المتحدة الاميركية لتحرير الكويت، باعلان قيام حكم ذاتي في اقليم كردستان العراق، بات عمره يقترب من ربع قرن، وزاد الغزو الاميركي-البريطاني للعراق في العام 2003 من منسوب التفاؤل لدى الكرد بتحقيق حلمهم التاريخي باقامة دولة كردية مستقلة، في انتظار نضوج الظروف الاقليمية والدولية الملائمة لاعلان مثل هذه الدولة، لكن «قوة» الكرد في المشهد العراقي الجديد بعد الغزو في العام 2003 ازدادت وازدادت معها مطالبهم من الحكومة الاتحادية، بدءاً من رفع نسبة ما يحصل عليه الكرد من الموازنة العامة للدولة 17%، وليس انتهاء بالاصرار على تطبيق المادة 140 من الدستور، التي تنص على اجراء استفتاء في كركوك لمعرفة ما اذا كان سكانها يريدون الالتحاق باقليم كردستان ام تبقى الحال على ما هي عليه الآن بعلاقاتها المباشرة مع بغداد.. دون اهمال «التمرد» الذي قاده مسعود برزاني ضد بغداد عندما عقد صفقة مع حليفه التركي اردوغان، كي يُصدّر نفط كردستان عبر ميناء جيهان التركي، دون الحصول على موافقة بغداد، ما اثار خلافات حادة ما تزال تترك آثارها السلبية على علاقات بغداد وأربيل، رغم «خسارة» نوري المالكي لمعركة البقاء في موقعه لولاية ثالثة.
هل قلنا كركوك؟
نعم «داعش» خلطت الاوراق، وقلبت المشهد بعد ان اجتاحت الموصل، ووصلت تخوم اقليم كردستان ثم تقدمت لتحتل المزيد من الاراضي وصولاً الى منطقة «سنجار» وأوقفت زحفها على بعد اربعين كيلومتراً من اربيل عاصمة الاقليم، بعد ان اغتنم برزاني فرصة انهيار الجيش العراقي وتقهقره امام داعش، كي يجتاح كركوك ويعتبر المادة 140 من الدستور الاتحادي وكأنها غير موجودة، ثم راح «يهدد» بالانفصال عبر اللجوء لاستفتاء شعبي في هذا الشأن، اذا ما بقي نوري المالكي في منصبه..
البيشمركة... هي الاخرى تقهقرت، وغدا مستقبل اقليم كردستان السياسي وخصوصاً الجغرافي في مهب الريح, بعد أن «لوّح» داعش باجتياح الاقليم وما رافق هذا التهديد من تشريد للأزيديين والمسيحيين واعدامات للسُنة والشيعة وسبي للنساء وبيعهن في سوق النخاسة.
هنا استيقظ الغرب الاستعماري ورأى ان خطر داعش آخذ في التفاقم, على نحو لا يمكن السكوت عليه، فتحمست واشنطن ودقت باريس طبول الحرب وترددت لندن قبل ان يحسم كاميرون الامر, ثم ها هي المستشارة الالمانية التي تحكم بلادها نصوص «وثيقة الاستسلام» التي فرضها الحلفاء على المانيا النازية, تُعلن أنها سترسل اسلحة الى البيشمركة لمواجهة داعش, على نحو يذكّر بالضغوط التي مارستها ادارة بوش الابن على الدولتين «المهزومتين» في الحرب العالمية الثانية المانيا، وخصوصاً اليابان, لارسال جنود الى الخارج والانضمام الى تحالف «الراغبين».
يصعب تجاهل «اللعبة» الغربية الجارية الان في العراق تحت شعار محاربة داعش, فالغرب لا يُسلّح سوى البيشمركة، فيما لا يُرسل قطعة سلاح واحدة لبغداد, رغم خسارة المالكي المعركة السياسية الاخيرة لصالح حيدر العِبادي أو قل لخصومه الذين لا يريدونه صاحب القرار الاول والاخير في العراق, فيما تواصل موسكو وطهران ارسال المزيد من الاسلحة والطائرات الحربية لبغداد لاعادة تأهيل الجيش العراقي الذي انهار مرة واحدة.
اسباب تقهقر الجيش العراقي أمام داعش خصوصاً في الموصل باتت خلفنا, بعد ان فرض داعش جدول أعماله على الجميع، واحتمال تحوّل البيشمركة الى جيش نظامي محترف, باتت واردة واكيدة عنده انتهاء المواجهات مع داعش، على ما كشف وزير البيشمركة في اقليم كردستان مصطفى سيد قادر وهو محسوب على حركة التغيير التي يقودها نشيروان مصطفى, الذي انشق عن الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني.
تَراجَعَ تهديد برزاني بالانفصال عبر الاستفتاء، لأن الاولويات تغيّرت لكن حماسة الغرب لتسليم البيشمركة تستبطن قراءة غربية للمشهد العراقي, ليس بالضرورة ان تلتقي عند استعادة الثقة بين بغداد واربيل عسكرياً على الاقل, إذ لا يشارك الجيش العراقي في حرب البيشمركة على داعش بعد مشاركته «الوحيدة واليتيمة» في استعادة سد الموصل، وفق تصريحات وزير البيشمركة مصطفى قادر.
يقول الكرد: أن بغداد رفضت تسليح الكرد، وهي تضع عراقيل أمام وصول الاسلحة اليهم حالياً, إلا بعد المرور على مطار بغداد لمعرفة نوع وكميات تلك الاسلحة.
هل ستبقى غرفة العمليات الاميركية الكردية بعد استعادة المناطق المحاذية لكردستان؟ أم أن الغرب تبنّى مسألة استقلال كردستان.. رسميا؟
..الايام ستقول.