اعترافات جريئة وخطيرة


الندوة التي عقدها مركز دراسات زمزم خلال الأسبوع المنصرم استضافت الدكتور محمد الطلابي من المغرب، والأستاذة آمال عزوز من تونس، من أجل الحديث حول التجربة الاصلاحية في كل من المغرب وتونس، وقد جمعت الندوة بين التنظير الفكري على صعيد العمل الإسلامي الذي أفاض فيه الدكتور الطلابي، وبين التجربة العملية على أرض الواقع التي جاءت على لسان عضو حزب النهضة التونسي السيدة عزوز.
كانت الإشارة واضحة إلى أن معركة العرب مع تحديات النهوض طويلة وممتدة، وهي ليست جولة واحدة، بل جولات متتابعة، تتراوح بين الانتظار والانكسار، ولكن مبشرات النهوض تلوح في الأفق وهجرة العرب من الصحوة إلى النهضة قد بدأت ولن تتوقف، وستكون هجرة جمعية إلى الحرية والقوة والوحدة والتقدم، والتي تحتاج إلى صفوة عالمة ونخب عاملة وحاضنة اجتماعية واسعة، تهدف إلى إعادة توزيع السلطة، وإعادة توزيع الثروة، وإعادة انتاج المفاهيم الفكرية الصحيحة.
وتمت الإشارة بمنتهى الصراحة والوضوح إلى أن الحل يكمن في السعي لإيجاد الدولة المدنية الديمقراطية، التي تعتبر الحرية قيمة انسانية أساسية، وليست وسيلة، ولا من باب الشعارات الانتهازية التي تحمل معاني الخضوع للعاصفة، أو من باب الخطاب المزدوج.
الأستاذة التونسية أشارت إلى إدراك حزب النهضة المبكر لأبعاد الواقع التونسي الذي يقتضي البدء بحوار مبكر مع القوى التونسية جميعها على الساحة السياسية ودعا الحزب قبل الانتخابات إلى ايجاد صيغة مشتركة تجمع الاتجاهات الإسلامية والعلمانية والقومية، ولكنها أعربت عن أسفها من أن الاستجابة لم تكن كاملة من القوى التونسية الفاعلة، واقتصر الأمر على ثلاثة أحزاب فقط.
الحوار المبكر أسهم في ايجاد أرضية مشتركة، وأسهم في بناء مساحة من الثقة المتبادلة، مما كان لذلك دور كبير ومهم في تذليل العقبات أمام تحقيق الاتفاق على جملة من القضايا الوطنية الكبرى وعلى رأسها الدستور، وقانون الانتخابات، وتم التغلب على بعض القضايا الخلافية الشائكة، الموجودة في معظم أقطار العالم العربي.
حزب النهضة أقدم على جملة حوارات داخلية معمقة وطويلة، في الفترات السابقة، سواء على الصعيد المحلي التونسي أو على صعيد المهجر، حيث كان معظم قيادات الحزب تعيش في المنافي إبان حكم بن علي، وتم حسم الموقف بوضوح حول مجمل القضايا التي ما زالت محلاً للتساؤل في فروع الحركة الإسلامية، وهي المتعلقة بمسائل الديمقراطية والحرية، والمرأة والأقليات وتحكيم الشريعة وغيرها، وكان لهذا الحسم المبكر دور كبير في تسهيل الحوار مع القوى السياسية المخالفة.
رغم أن الحركة الإسلامية في تونس المتمثلة في حركة النهضة، كانت متقدمة في خطابها، وأكثر تمسكاً بقضايا الحرية والديمقراطية والمرأة، إلا أن الحركة واجهت جملة من التحديات الكبيرة والمعقدة التي كادت تجرف الساحة التونسية إلى مجمل الساحات الفوضوية.
أخطر الاعترافات التي جرت على لسان التونسية الجريئة عندما قالت إننا جئنا إلى الحكم من السجون والمنافي ولم نكن مستعدين لهذه المرحلة، ولم نعد أنفسنا إلى مهمات إدارة الدولة، بل الاعتراف الأكثر خطورة أن تقول : إننا لم نكن نحمل مشروعاً واضحاً ومكتملاً وحقيقياً، وهنا بالضبط محل الخطورة، لتفسير الفشل الذي حدث في أماكن كثيرة، حيث تم سلخ سنوات طويلة من عمر الحركات الإسلامية، ولكنها كانت متواضعة الإنجاز على هذا الصعيد، وقد سلخ شباب الحركات الإسلامية أعمارهم في مسائل لم تكن من الأولويات، وما زال توجيه الطاقات يتم في مسارب أقل جدوى، ولم يجر إعداد الشباب لتسلم المواقع الإدارية، ولم يجر اكسابهم الخبرة المطلوبة، بل أحياناً يتم اتباع سياسات تسهم بعزلهم عن واقعهم وأبعادهم عن مجتمعهم من تلقاء أنفسهم قبل أن يبعدهم خصومهم.