«صورة المسؤول شاباً»..


خطر لي وأنا استعيد رواية جيمس جويس الشهيرة «صورة الفنان شاباً»، لماذا لم يفكر أحد من الأدباء كتابة رواية تحت عنوان «صورة المسؤول شاباً أو في شبابه».
لا شك أن البون سيكون شاسعاً بين رواية جويس الذي ضمنها أجزاء من سيرته الذاتية وحياته البئيسة في دبلن، وأي رواية تتحدث عن شباب مسؤول ما، ليس معينا أبداً، وقد يكون في جزر الواق واق.
جويس مثلا الذي كان يعاني قلقا وجودياً، ويكره الوقت والروزنامات ولطالما مزق أيما روزنامة رأها، وكسر الساعات، يختلف تماما عن المسؤول الذي يقدر دائما قيمة الوقت، ويعرف أن وصوله محكوم به، وينصب جهده على قطع المراحل والقفز عنها.
عموماً.. جميعنا نمر بظروف صعبة في حياتنا، وخصوصا في بداياتنا، والمهم أن نتعلم منها، وأن تصنعنا، وتؤكد تواضعنا.
في واحد من السيناريوهات الكاريكاتورية التي رسمها فناننا الراحل والمبدع فايز مبيضين، رسم مسؤولاً سافر إلى دولة أجنبية حين كان شاباً لإكمال دراسته، ولأن ما كان يأتيه من نقود من الوطن لم يكن يكفيه، انتظم بالعمل كعامل نظافة في إحدى الشركات، ولطالما نظف الأرضيات ممسكاً الممسحة والدلو والقشاطة.
صاحبنا حين عاد إلى وطنه توظف في إحدى المؤسسات، وما هي إلا عدة سنين، حتى صار بسبب «شطارته» وعلاقاته وروافعه، مسؤولاً مهماً، يتعامل مع المواطنين بفوقية، وعجرفة، ومن مكان عال.
فايز رحمه الله، بين بعبقريته، في رسمه الذي نساه الناس واحتفظ بذكراه في رأسي ونسخة وحيدة في أرشيفي ان هذا المسؤول كان يحتفظ بغرفة قريبة من مكتبه لا يسمح لأحد بدخولها، ولا يدخلها إلا حين يشعر بالحاجة الى لحظة هدوء وسكينة من عناء ساعات العمل والتصنع، يحتفظ فيها بممسحة وسطلا وقشاطة، ويمارس بها هوايته القديمة بالتنظيف، وهو يصفر.. وربما يغني.
ليس ضرورياً أن ترتكز الرواية المقترحة على تيار الوعي الذي ابتدعه جويس، ولا أن تكون صعبة اللغة والاسلوب، يكفي أن تقول الامور ببساطة.. كأنها كتابة بيان أو استدعاء.