دبلوماسية طهران ودبلوماسية الرياض
في لقاء ظريف- لافروف انتقد وزير الخارجية الروسي المعايير المزدوجة لدى واشنطن، معتبرا ان مكافحة الارهاب في العراق وحدها غير كافية وانتقائية، داعيا واشنطن الى معاملة المجاميع المسلحة في سوريا بنفس الطريقة التي تعامل فيها «داعش» في العراق -بحسب رأيه-.
طبعا موسكو وقبل ايام قامت بمناورات جوية في (منغوليا) تحت عنوان مكافحة الارهاب في اطار اظهار قدراتها في التعامل مع القوى المسلحة، وإبراز إمكاناتها وجهوزيتها العسكرية، في ذات اللقاء اعلنت كل من طهران وموسكو عن امكانية القيام بجهد مشترك في هذا المجال؛ في تلميح واضح الى سوريا، فالقرار الدولي يشمل سوريا بالتأكيد، وبإمكان موسكو ارسال اسطولها الجوي، وحاملات الطائرات لمهاجمة المسلحين في سوريا كما فعلت واشنطن في العراق.
لغة التهديد والوعيد والمعايير المزدوجة تقع في اطار المساومة، وخلق ضغوط قوية لدفع الولايات المتحدة للاعتراف بدور النظام السوري، واعادة انتاجه وان كان ذلك يتم الان من خلال سياسة اللعب بالاعصاب، فموسكو لها الحق في دعم حليفها في دمشق، كما دعمت واشنطن حلفاءها في اربيل، ولعلها مساومة تمتد الى اوكرانيا.
في المقابل، فإن رحلة وزير الخارجية الايراني التي بدأها في اربيل وبغداد، والتقى فيها وزير الخارجية العراقي هوشيبار زيباري، كشفت عن خلافات بين الحلفاء الافتراضيين، او الآنيين، فزيباري دعا طهران إلى دعم العراق بالسلاح والاستخبارات، وليس بإرسال الجيش الايراني، مشيدا بما قدمته ايران في مجال العتاد، الا انه من الواضح انه لا يريد ان يرى قوات ايرانية في العراق، او بالقرب من حدود كردستان؛ فالتحالف بين الاطراف مليء بالألغام والقيود والمحاذير.
خطوط الدبلوماسية متشابكة؛ فالوفد الدبلوماسي الايراني الذي زار السعودية توافقت زيارته مع تصعيد كبير في الساحة اليمنية، قادها الحوثيين ضد حكومة هادي منصور، المقرب من دول الخليج؛ ما يجعل من بناء تحالفات مسألة غاية في التعقيد، وتخضع لمساومات مستمرة بين الاطراف المتصارعة والقوى الاقليمية. المشهد الاقليمي ما تزال تتجاذبه المصالح، بل الاولويات المتعارضة للقوى الاقليمية والدولية. الحسابات تزداد تعقيدا عندما يضاف الى كوكتيل الازمات هذه الازمة الاوكرانية التي رفعت من منسوب انعدام الثقة بين الاطراف الدولية، وجعلت من امكانية توسيع دائرة المساومات، بشكل يجعل من عملية خلط الاوراق حالة مستمرة لا تعرف التوقف، فما نشهده ليس تفاوضًا على بناء تحالفات، بل تصارع يختفي تحت عباءة الحديث عن التحالف، والشراكة الموهومة.
تقف الدبلوماسية السعودية في وسط هذه الفوضى في حالة من القلق والترقب منتظرة زيارة جون كيري، فالسعودية لا ترى في الافق مخرجا واضحا، ودبلوماسيتها تتنقل الان بين البحرين وقطر بعد اجتماع وزراء الخارجية في جدة؛ في محاولة للخروج من الازمة الضاغطة امنيا وسياسيا، فـ»داعش» تهديد يأخذ بعدا داخليا، وايران تزداد توحشا وتنمرا في لبنان واليمن، الولايات المتحدة في المقابل تقف عاجزة عن ممارسة اي ضغوط حقيقية على الاطراف الاقليمية، سواء كانت عربية ام ايرانية، فضلا عن الارباك الذي تسببه لها موسكو بين الفينة والاخرى.
ففي الوقت الذي تجد فيه ايران بموسكو حليفا موثوقا، فإن الرياض تجد في واشنطن حليفا اقل موثوقية، واقل استعدادا لمسايرتها في سياساتها، سواء في ليبيا أم العراق أم سوريا أم لبنان؛ ما يجعل الدبلوماسية السعودية الاكثر استنزافا في المرحلة الحالية، وهي حالة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة العربية السعودية، فحديث واشنطن المتواصل عن ضرورة قيام شراكة اقليمية في ظل غياب استراتيجية امريكية يقتضي تقديم تنازلات من قبل السعودية، في مقابل تصلب ايراني، وقدرة كبيرة على المناورة ليس لها مثيل.