الحوثيون والخاصرة السعودية
بيان مجلس الأمن الذي أصدره أول أمس بشأن الوضع في اليمن والذي جاء فيه، أن المجلس يعبر عن قلقه تجاه تدهور الوضع الأمني في اليمن، في ضوء التحرك الذي قام به الحوثيون، بقيادة عبد الملك الحوثي، وأولئك الذين يؤيدونه لتقويض التحول السياسي والأمن في اليمن، يذكرنا بما حدث في لبنان عندما حاصر حزب الله السرايا الحكومي في بيروت وعطل الدولة، ومازال يعطلها منذ انتصاره في حرب تموز 2006.
هذا ما يحدث لأي حركة انفصالية تستخدم الدين او تتبع نهجا مقاوماً ثورياً، فالانتصارات توقظ نشوة الحكم، وهو ما قد يحدث مع حماس في غزة أيضا، ولكن ما يحدث مع الحوثيين في اليمن اليوم، هو نتيجة لتدخل إيراني، ودفع للحوثيين للسيطرة على مقاليد الحكم، أو الهيمنة عليها. بعد أن حاولت جماعة الحوثي ومنذ بداية التسعينات أن تستعيد حلم الدولة الإمامية التي انتهت العام 1962 مع ثورة سبتمبر، بيد ان الحرب الحوثية اليمنية السادسة بين عامي 2009-2010 كانت قد الحقت بالحركة الكثيرمن الخسائر، ولم تكن الحركة لتعود لولا هبة الربيع العربي في اليمن وغيرها من البلاد العربية .
مع ثورات الربيع العربي نهاية العام 2010 التقط قائد جماعة انصار الله عبد الملك الحوثي، والأخ الأصغر لمؤسس الجماعة حسين بن بدر الدين الحوثي الريح، فسنوات الحروب الطويلة التي بدأت العام 2004 وانتهت بمقتل حسين الحوثي 2004 ثم بدر الدين الحوثي كانت2010 كافية للتحالف مع القوى المناوئة لنظام علي عبد الله صالح.
تمكن الحوثيون من فرض وزنهم التفاوضي كطرف مفاوض في التسوية السياسية، وفي معادلة المصالحة الوطنية الراهنة، والتي ما زالت غير قادرة على جلب الاستقرار لليمن حتى اليوم. ونجحوا في الحشد، ونزول الساحات، وفي الهيمنة على منافذ العاصمة صنعاء، ما يمكنهم من السيطرة على مقاليد الأمور، مدفوعين بقدرتهم على التصعيد الثوري من جديد لفرض مطالبهم على طاولة الحكم في اليمن،أو إحالة البلد للفوضى والدمار، وهو ما حرك مجلس الأمن لاصدار بيانه أول أمس لدعم العملية السياسية والمصالحة الوطنية والدعوة لالقاء السلاح والخروج من منطقة عمران.
حتى الآن، جلّ فرضيات الصراع اليمني الحوثي، تشير إلى دور إيراني، وقد رصدت لقاءات بين قادة من الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، مع قيادات حوثية،وهناك من يرى أن أزمة اليمن هي نتيجة مستحقة للفقر وغياب التنمية، وهو ما آل بالبلاد لتكون دولة فاشلة.
السيناريوهات بشأن الحالة اليمنية قليلة، فإما الانتقال من دولة الوحدة والجمهورية إلى الدولة الطائفية، بحيث يطبق النموذج العراقي واللبناني، أو الوصول إلى حالة الدولة الفاشلة وبالتالي صوملة اليمن، وهو الدولة الاكثر تعرضا لمخاطر الهجرة من الصومال منذ تفكيكه وحتى اليوم. وثمة من يرى أن الحوثيين قد يكتفون بحصة وازنة في التشكيلة الحكومية، ويأخذون صعدة كجيب شيعي على غرار الجنوب اللبناني، وهو ما لا ترضى به المملكة العربية السعودية لأنه يهددها.
والسعودية منذ تدخلها بحسم الحرب السادسة بين الحوثيين والجيش اليمني العام 2010 تنظر بقلق مستمر لغياب الاستقرار في خاصرتها الجنوبية، ذلك أن اي تدخل اقليمي وبالأخص، الإيراني منه، قد يجعلها امام تحديات مفتوحة الاحتمالات، ذلك أن مطبخ القرار السعودي يعي جيداً معنى أن تكون إيران فاعلة ومؤثرة في البوابة الجنوبية للمملكة العربية.
إن خطورة الحوثية السياسية كظاهرة، لا تكمن في امتلاكها لقوة السلاح وتحصنها في قمم جبال صعدة، بل في الـتأثير، وإذكاء النزعات المطلبية الاحتجاجية، في مناطق تشهد وجودا شيعيا في السعودية أيضا، والتي تبذل جهدا كبيرا في تحقيق جميع مطالبها واشراكهم في الحكم وبرامج التنمية والابتعاث العلمي وتأسيس الجامعات.