إستثمار المخرجات السياسية للعدوان لدعم المفاوض الفلسطيني

أدارها: د.خالد الشقران
حرّرها وأعدّها للنشر: جعفر العقيلي وبثينة جدعون

مثّلت الجلسة الحوارية التي نظمها مركز «الرأي» للدراسات بعنوان «غزة والتحالفات في المنطقة» فرصة للمشاركين فيها من سياسيين وبرلمانيين وحزبيين وأكاديميين لتبادل وجهات النظر حول انعكاسات العدوان على غزة فلسطينياً وإسرائيلياً، والتحالفات الإقليمية والدولية، والدور الأردني، وانعكاسات العدوان على مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ودور الأردن في رسم سيناريوهات العملية السلمية. 
وشدد المشاركون على أهمية مواصلة النضال في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي من خلال اختيار الأدوات الكفاحية المتفق عليها وهي المفاوضات، والكفاح المسلح، والانتفاضة الشعبية، داعين إلى وحدة الفصائل والشخصيات الفلسطينية في إطار منظمة التحرير بوصفها البيت الفلسطيني الموحد الممثل لها والمعبّر عنها. 
وعرضت الندوة للروابط التاريخية بين الأردن وفلسطين، مشيدين بدور الأردن في دعم قطاع غزة بتوجيهات من جلالة الملك. 

نتائج سياسية للحرب 
قال النائب السابق والخبير بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية حمادة فراعنة إن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، جاء لأسباب منها: الإستجابة لتطرف المستوطنين وهيجانهم وعدوانيتهم رداً على خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم، مضيفاً أنه بالرغم من أن حركة حماس لم تعلن مسؤوليتها عن عملية الاختطاف، ونفت علمها بها، إلا أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة حمّلت حركة «حماس» مسؤولية العملية، وأشاعت جواً من التحريض الأعمى، الأمر الذي دفع بها لشن هجمات جوية مركزة ضد القطاع ومؤسساته المختلفة، وبُناه التحتية. 
وأضاف فراعنة أن السبب الثاني الذي عجّل بقرار شن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، هو محاولة إسرائيل السريعة لمحو صورة حرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير من اهتمامات الإعلام، وإظهار صورة أخرى تمثلت في حق إسرائيل الانتقام من تنظيم إرهابي على خلفية خطف مستوطنين وقتلهم، مشيراً إلى أن الصورة التي أظهرها خطف الفتى الفلسطيني، أظهرت إسرائيل ومستوطنيها، بصورة الفاشيين المتطرفين البشعة، مثلهم مثل أفعال النازيين ومحرقتهم ضد اليهود الذين يمارسون الآن المحرقة ضد الفلسطينيين. 
وبيّن فراعنة أن السبب الثالث يتمثل في حالة التقارب والتفاهم الفلسطيني المفاجئ بين حركتي فتح وحماس، والقفز عن كل شروط تحقيق المصالحة بينهما، وتراجع حركة حماس عن مظاهر الانقلاب وإدارتها الانفرادية لقطاع غزة، واستقالة حكومة إسماعيل هنية الحزبية الحمساوية ذات اللون الواحد، إضافة إلى تسليم قطاع غزة - ولو شكلاً - لحكومة الوفاق الوطني يوم 2/6/2014، ما أربك حكومة نتنياهو التي كانت تستعمل الانقسام الفلسطيني وتوظفه كحجة للتهرب من استحقاقات التسوية، وعدم تنفيذ الالتزامات المترتبة عليها، فكان موقفها واضحاً ضد انهاء الانقسام وضد تحقيق الوحدة، فأرادت أن تخلق أجواء جديدة تحول دون تحقيق خطوات الوحدة التدريجية. 
وقال فراعنة إن سعي إسرائيل لضرب مواقع القذائف الفلسطينية ميدانياً وتدميرها في محاولة لإسكات أي فعل فلسطيني قد يؤثر في أمن المستوطنين والمستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة ،كان أيضاً وراء شن العدوان. 
وأوضح فراعنة أن نتائج العدوان والحرب على قطاع غزة، جاءت بعكس التوقعات الإسرائيلية لأسباب منها: أن حجم الخسائر البشرية لدى المدنيين الفلسطينيين، والدمار الهائل، دفع بالرأي العام العالمي للتحرك تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين، كما أن قطاعاً واسعاً من الإسرائيليين اعتبروا أن إسرائيل فشلت من الناحية الأمنية لعدم استطاعتها «صيد» أي من القيادات الفلسطينية والنيل منها قبل استغلال إسرائيل للهدنة المؤقتة وتمكُّنها من اغتيال ثلاثة قادة ميدانيين من «حماس» وفشلها في اغتيال قائد قوات القسام محمد ضيف، مثلما حصل في الحربين السابقتين، ففي حرب 2008 اغتالت إسرائيل كلاًّ من الشهيد سعيد صيام والشهيد نزار الريان من قادة «حماس»، وفي حرب 2012 اغتالت قائد قوات كتائب القسام أحمد الجعبري. 
ورأى فراعنة أن جيش الاحتلال دفع ثمناً باهظاً في هذه الحرب مقارنة بالحربين الأخيرتين، ففي «عمود السحاب» عام 2008 قُتل 13 جندياً إسرائيلياً، وفي معركة «الرصاص المصبوب» عام 2012 لم يقُتل أي جندي إسرائيلي، بينما قُتل في حرب «الجرف الصامد» 64 جندياً وضابطاً إسرائيلياً، وهو ثمن باهظ من حيث العدد، مقارنة بما سبق. 
ولخّص فراعنة النتائج السياسية لهذه الحرب فلسطينياً، في أن الهجوم الإسرائيلي أدى إلى تحقيق وحدة ميدانية وسياسية فلسطينية تمثلت في وحدة الوفد المفاوض الذي تكوّن من ستة فصائل فلسطينية (فتح وحماس، والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب ومركز الجهاد الإسلامي)، ووحدة الموقف السياسي، وكذلك وحدة المطالب الفلسطينية. 
ورأى فراعنة أن الموقف المصري الذي تجاوب مع طلب الرئيس الفلسطيني في استقبال وفد حركة حماس بوصفه جزءاً من الوفد الفلسطيني، من النتائج السياسية المهمة لهذه الحرب، مضيفاً أن الإجراء المصري كان في غاية الأهمية، وزاد عليه موافقة القاهرة وتبنيها للمطالب الفلسطينية. 
وأجمَل فراعنة انعكاسات الحرب على الوضع الإسرائيلي في نقاط أهمها: أن إسرائيل لم تستطع تنفيذ برنامجها في تدمير قدرات المقاومة الفلسطينية وشل فعاليتها، فبقيت قدراتها متوفرة وإن تعرضت لهجمات مؤثرة، وسقوط عدد كبير من جنود الاحتلال من القتل جراء المواجهات الشجاعة لمقاتلي الفصائل الفلسطينية من كتائب القسام، وسرايا القدس، وكتائب أبو علي مصطفى، وكتائب الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إضافة إلى تشكيل لجان تحقيق محلية إسرائيلية، وكذلك تشكيل لجان تحقيق دولية في طليعتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة برئاسة البرفسور وليم شباس، إضافة إلى قضايا سَتُرفع في المحاكم الأوروبية تستهدف رئيس الوزراء ورئيس الحرب وقائد الجيش الإسرائيليين. 
وأشار فراعنة إلى أن الشعب العربي الفلسطيني، مقسوم إلى جزئين رئيسيين أحدهما يقيم على أرض وطنه فلسطين، ويزيد تعداده عن خمسة ملايين ونصف المليون نسمة، والنصف الثاني في بلاد الشتات والمنافي واللجوء لا يقل عن خمسة ملايين ونصف المليون نسمة أيضاً، فالأول على أرض وطنه يتطلع إلى الاستقلال وفق قرار الأمم المتحدة 181، والثاني في منفاه يتطلع إلى العودة إلى وطنه وفق القرار 194، واستعادة ممتلكاته منها وفيها وعليها والمنهوبة من الدولة الصهيونية العنصرية. 
وأوضح فراعنة أن الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل إنجاز مشروعه الوطني الديمقراطي، وفي إطار منظمة التحرير، يملك أربعة عوامل مهمة أولها: وجودهم كشعب على أرض وطنهم يُقدر عددهم بخمسة ملايين وسبعمائة ألف نسمة في مواجهة ستة ملايين ومائة ألف يهودي إسرائيلي، والعدد كاد يكون متقارباً الآن. 
وتابع أن ثاني هذه العوامل يتمثل في كون الشعب الفلسطيني بشرائحه وطبقاته كافة يرفض المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ويعمل ضده بوسائل كفاحية مختلفة، كما يرفض العيش في ظل العنصرية في مناطق 48، والاحتلال الاستيطاني في مناطق 67، كما أن وجود التعددية بين صفوف الشعب العربي الفلسطيني (فتح وحماس واليسار والتيار القومي والمستقلين)، تكسبه القوة والاجتهاد وسعة حرية الاختيار، والبحث عن المخارج المتعددة لهزيمة الاحتلال، إضافة إلى توفر «الأسلحة» السياسية القانونية المشروعة بحوزته ممثلة بقرارات الأمم المتحدة المنصفة لصالحه، قرار التقسيم 181، وقرار عودة اللاجئين 194، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وقرار حل الدولتين 1397، وقرار خارطة الطريق 1515. 
وأكّد فراعنة أنه يمكن البناء على أرضية هذه العوامل الأربعة لمواصلة النضال في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، على أن يتم ذلك ضمن ثلاثة عوامل هي: وحدة الفصائل والشخصيات والاتحادات والجاليات الفلسطينية في إطار منظمة التحرير بوصفها البيت الفلسطيني الموحد، الممثلة له والمعبّرة عنه، والتوصل إلى برنامج سياسي موحَّد يشكل القواسم المشتركة بين الفصائل والأحزاب والتنظيمات والاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة، إضافة إلى اختيار الأدوات الكفاحية المتفق عليها، وهي المفاوضات، والكفاح المسلح، والانتفاضة الشعبية. 
وشدّد فراعنة على عدم خروج أي تنظيم واستعماله أداة تروق له بمعزل عن الاتفاق الجماعي، حيث لا يجوز لطرف ممارسة المفاوضات مثلاً من دون الاتفاق والتفاهم مع الآخرين، ولا يجوز لطرف ممارسة الكفاح المسلح أو العمليات الاستشهادية أو قصف الصواريخ من دون إقرار ذلك من قبل بقية الأطراف، مضيفاً أن الكل شركاء في المعركة الوطنية، في إطار المؤسسة التمثيلية وهي منظمة التحرير وعلى قاعدة برنامج سياسي مشترك، وضمن اختيار أدوات كفاحية مناسبة متفق عليها. 
وأشار فراعنة إلى أن فصائل المقاومة في حرب «الجرف الصامد» وقعت في مجموعة من الأخطاء دفعت وستدفع ثمنها، أولها: رفض بعضها للمبادرة المصرية، وثانيها: طرحها لمبادرة عبر قطر وتركيا لمواجهة المبادرة المصرية، مضيفاً أن الرئيس الفلسطيني استطاع بحكمته تطويق ذيول ذلك ونجح في تحقيق شرطين هما: وحدة الوفد الفلسطيني المفاوض، ووحدة الموقف والمطالب الفلسطينية، وعندما نجح في ذلك حقق الشرط الثالث وهو استقبال القاهرة للوفد الفلسطيني الموحد، ومن ضمنه ممثلي حركة حماس، وقبول القاهرة للمطالب الفلسطينية وتبنيها والعمل على أساسها. 
وبيّن فراعنة أن فصائل المقاومة استعملت وسيلة عمل كفاحية هي: القصف بالصواريخ وكان تأثيرها معنوياً على جبهة العدو الإسرائيلي، أكثر من التأثير المادي والخسائر البشرية، والتي لم تتعدَّ أربعة مدنيين، وبالرغم من النتائج المادية المتواضعة للصواريخ الفلسطينية، إلا أنها أرغمت معظم سكان المستعمَرات الإسرائيلية على الرحيل منن بيوتهم، وأصبح ذلك عاملاً ضاغطاً على حكومة نتنياهو لقبول مفاوضات وقف إطلاق النار وفقاً للمبادرة المصرية واستجابةً للطالب الفلسطينية. كما أن المقاتلين الفلسطينيين حققوا نجاحات ملحوظة عبر استعمال عنصر المفاجأة (الأنفاق) وخسارة الإسرائيليين اـ64 جندياً وضابطاً. 
وقال فراعنة إن الأردن قام بواجبه نحو قطاع غزة، فقد كان دوره ملموساً وذلك عبر القوات المسلحة والمستشفى الميداني سواء من خلال معالجة الجرحى في الميدان أو إرسال الجرحى ذات الإصابات الصعبة إلى الأردن لمعالجتهم في مستشفيات القوات المسلحة في عمّان، وكذلك عبر الهيئة الخيرية الهاشمية، التي أرسلت العديد من الإرساليات من التبرعات العينية الأردنية وتبرعات البلدان العربية التي لا تستطيع إيصال مساعداتها إلى هناك، أو عبر صندوق الزكاة الذي جمع مبلغ 4.5 مليون دينار، تم رصد الدفعة الأولى منه بواقع ألف دينار لأسرة كل شهيد وألفي دينار لكل بيت مدمر، و200 ألف دينار مواد طبية و200 ألف دينار مواد عينية. 
وأشار فراعنة إلى دور جلالة الملك عبر اتصالاته مع رؤساء دول العالم لتوضيح حقيقة الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني وللعمل على وقف العدوان الإسرائيلي، أو عبر السفير الأردني لدى مجلس الأمن الذي دعا إلى ثلاثة اجتماعات بالتنسيق المسبق مع المجموعة العربية والسفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة. 
وأعرب فراعنة عن عدم تفاؤله بمفاوضات السلام المستقبلية التي وصلت لطريق مسدودة، وذلك لوجود ثلاث عقبات أمامها: تطرف نتنياهو وعدم رغبته في التوصل إلى تسوية بل وإعاقته لها، وقيادة حزب الليكود الحاكم من قبل مجموعة متطرفة تؤمن بأرض إسرائيل الكاملة وترفض أي تسوية على أرض فلسطين، إضافة إلى الائتلاف الحاكم بمشاركة ليبرمان وبينيت اللذين يسعيان لطرد الفلسطينيين من وطنهم سواء من مناطق 48 أو مناطق 67، مما يتعذر في ظل حكومة المستوطنين الحالية البحث عن أي صيغة مشتركة للتفاهم معهم، مبيناً أن تجارب السنوات السبع الماضية من المفاوضات منذ مفاوضات أنابوليس 2007 إلى مفاوضات عمّان 2012، ومفاوضات واشنطن 2013، مروراً بالمفاوضات الاستكشافية، إلى غير المباشرة، إلى المباشرة، إلى كل صيغ التي لم تحقق اختراقاً على الإطلاق، إضافة إلى استمرار الاستيطان على الأرض الذي دمر تماسك الأراضي جغرافياً وأخَلّ بالمعادلة الديمغرافية في القدس وفي الغور وفي قلب الضفة الفلسطينية. 


28/8/2014