إسـرائيل بين لعنتي تموز وغزة !!!

لم تُحقق اسرائيل من اشتراطاتها على المقاومة سوى بقاء ملف التفاوض باليد المصرية , علما بأن نقل الملف من مصر الى جهة غيرها لم يكُ محطّ اجماع فلسطيني , بحكم طبيعة الجغرافيا اولا وبحكم طبيعة الدور المصري السابق والتفاهمات التي رعتها القاهرة منذ 2008 الى اللحظة وكل الفصائل تُدرك ضرورة وجود القاهرة على مائدة التفاوض لانها طرف فيه وجزء منه بحكم الجوار الجغرافي واستراتيجية معبر رفح .
باقي الاشتراطات الاسرائيلية باتت حبرا على ورق , بل لا تساوي كلفة الحبر الذي كُتبت به , فتحقيق المقاومة للمستحيل برفع كلفة الحرب وتهديد الامن الاستراتيجي الاسرائيلي وتهديد الموارد البشرية الصهيونية بهذا الحجم , جعل من معركة غزة النقلة الثانية في ميزان الخسائر الاسرائيلية القريبة من الهزيمة , بعد حزب الله وحرب تموز فتخسر اسرائيل كل جولاتها بما يُسمّى لعنة تموز على الكيان الغاصب .
النصر والهزيمة نقلتان متصلتان , فهزيمة العرب في 1948 ونكستهم في 1967 , جعلت اسرائيل تعيش وهم الدولة التي لا تقهر وكرّس التخاذل العربي مفهوم اسطورية جيش الاحتلال حتى جاءت حرب تموز اللبنانية واكملتها حرب تموز الفلسطينية لتكسر المفهوم الذهني عن سطوة الاحتلال وجبروته الطاغي وأنهت اسطورة الجيش الذي لا يقهر .
بالمعيار الاخلاقي والثقافي والعسكري ربحت المقاومة جولة تموز بامتياز , وحققت ما هو ابعد من النصر العسكري , فقد اعادت حرب غزة اهم فصيل فلسطيني الى ملعب المقاومة واعني حركة فتح ولو انجزت المقاومة هذا الانجاز وحده لكفاها ذلك , فكيف الحال وقد نجحت المقاومة وغزة في كسر شوكة الشوفينة التنظيمية التي سادت المشهد الفلسطيني لفترة طويلة مما افرز اقتتالا فلسطينيا وتمزيقا للجغرافيا الفلسطينية ؟
في حربها مع الاحتلال نجحت غزة بالنيابة عن فلسطين في اعلاء كلمة المقاومة لدى كل الفصائل الفلسطينية ولم نسمع عن اسماء الفصائل الا من الاعلام غير الفلسطيني فقد حافظت الفصائل على مصطلح المقاومة ولم تخدشه لصالح فصيل , رغم ان كل التنظيمات قد قدمت ما هو مطلوب منها بكفاءة ووطنية من حماس الى الجهاد الى فتح والجبهة الشعبية والديمقراطية وباقي الالوية والفصائل , وسادت ثقافة المقاومة على كل الثقافات فما سمعناه من اهلنا في غزة كان اكثر صلابة مما سمعناه من المقاومين , وهذا ابرز اسباب النصر , فالحصار انقلب سحره على الغاصب ولم يكسر ارادة الغزيين , ولم يُثقلوا كاهل المقاومين بالضغط الانساني .
رفع شعبنا في غزة من صلابة المقاومة ورفعوا من صلابة الامة كلها , فأهالي الشهداء كانوا يقدمون العزاء ولا يستقبلونه , ولم تنكسر ارادتهم لحظة واحدة امام غطرسة الاحتلال وآلته العسكرية , فساد مفهوم المقاومة وانتصرت ثقافة النصر بدل الشكوى والخنوع والفضل لاهل غزة ولمقاومتها الباسلة التي وعدت فأوفت , فدم الشهداء لم يذهب هدرا , وليس غناءً ولا نشيدا , نقول للمقاومة « تسلم الايادي « .
ابرز انجازات حرب غزة الخماسينية على العدو والربيعية على المقاومة انها اعادت ثقافة النصر والصمود , واحيت الامل مجددا لدى جيل كامل كاد حصاد الربيع العربي المر ان يُعلقم حلوقهم , فلا شكوى ولا لاجئين جدد , وصمدت غزة تحت انقاضها ولم يخرج احد من بيته المهدوم حتى , فأي نصر صنعته المقاومة واي شعب يقطن غزة ؟
تموز اعقب حزيران توقيتا , لكنه كسر نكسته واودى بثقافته الى الجحيم ,وما زال الطريق طويلا للبناء والاعمار والتحرير , فقد ألهمت غزة الجميع الى طريق النصر وصارت نجما يهدي السراة والكماة , فحتى السلطة قالت لن نتفاوض مع اسرائيل بضبابية او في اجواء غائمة , وهذه فضيلة العودة الى قيمة المقاومة وقدرتها على تحصيل الحقوق , فلا مفاوضات تحت قذائف من اتجاه واحد فقط , والمقاومة قيمتها في رفع كلفة الاحتلال وهذا ما قرأناه في التاريخ وما علمتنا اياه غزة .
شكرا لكل طفل مات ولكل أم ثكلى ولكل أب مكلوم ولكل يتيم والشكر للمقاومين بحماسهم وجهادهم وفتحهم وجبهتهم ونردد مع احمد قعبور نبوس الارض تحت نعالكم ونقول نفديكم .