«ويكيليكس»
ولد ريتشارد مانينغ في العام 1987 لأب من أميركا وأم من ويلز وكان كلاهما مدمناً على الكحول والمخدرات فنشأ الطفل ريتشارد نحيل الجسم، قليل الوزن. بعد أن انفصل والداه بالطلاق قامت أخته الكبرى بالعناية به والإشراف على تربيته وكان أصدقاؤه ينادونه «تشلسي» لأنه كان مثلي الجنس ميالاً إلى الأنوثة.
كان شديد الذكاء بارعاً في الموسيقى وعلوم الحاسوب فتم تعيينه في العام 2009 في إحدى الوحدات العسكرية الأميركية في العراق حيث قال: «كنت استرق النظر إلى كواليس أميركا ورأيت ما لم يعجبني واكتشفت أنني غارق في أمور أنا ضدها تماماً».
بصفته العسكرية كان يمكنه الوصول إلى بيانات سرية وحساسة فكان يدخل إلى وحدته وسماعتاه فوق أذنيه ويتظاهر انه يستمع إلى شريط مدمج لمغنية أميركية معروفة ويقوم بنسخ ما يريد وينقل المعلومات إلى حاسوبه الشخصي وقد تضمنت المعلومات التي قام بنسخها نصف مليون تقرير عسكري وربع مليون وثيقة مراسلات دبلوماسية.
أظهرت هذه الوثائق مجرى الحرب في العراق وأفغانستان وبينت الخسائر البشرية الهائلة بين المدنيين في البلدين وهي الخسائر التي لم يعلن عنها أبداً والتي تكشف وحشية الحرب التي تتم باسم الشعب الأميركي وباسم حمايته من الإرهاب.
أظهرت الوثائق كذلك كيف يقوم الدبلوماسيون الأميركيون بسرقة أسرار أمم الأرض والتجسس على حكوماتها، كما أظهرت حملة التعذيب الأميركي المبرمج والمنظم على الأسرى واستخدام الإيذاء الجسدي والجنسي على الرجال والنساء، سواء.
الوثائق احتوت على أفلام فيديو يظهر أحدها الغارة الجوية الأميركية على قرية جاراني الأفغانية ومقتل 1500 مدني في تلك القرية. كذلك أظهر فيلم فيديو ثانٍ ضربة جوية أميركية في بغداد جرت في العام 2008 تظهر فيها طائرة هليكوبتر أباتشي وهي تقصف صحفيين وموظفين في وكالة رويترز يحملون كاميرات تلفزيونية فتقتل خمسة منهم وعندما توقفت سيارة باص مدنية صغيرة لنجدة المصابين تم قصفها كذلك فمات السائق العراقي وولداه الصغيران.
في بداية العام 2009 قام مانينغ بتسريب هذه الوثائق إلى مؤسسة ويكيليكس وهي مؤسسة غير ربحية مكونة من خمسة أشخاص تعتمد على تبرعات المتطوعين وعلى نشر المعلومات السرية.
كانت ويكيليكس قد تأسست في العام 2006 من قبل جوليان اسانج مستهلة نشاطها بنشر الوثائق السرية عن سجن غوانتانامو فقد كان اسانج (الصحفي الاسترالي المجنون ذو الشعر الأبيض) مشهوراً في شبابه بأنه قرصان معلومات (هاكر) من الطراز الأول حيث قام بالدخول إلى حاسوب البنتاجون ووكالة الفضاء الأميركية ناسا وشركات كبرى عديدة. كان اسانج يؤمن أن الانترنت أصبح شديد الخطورة في التحكم بمصائر الناس كما أصبح أكبر وسيلة للحكم الاستبدادي في التاريخ. قام اسانج بنشر الوثائق التي زوده بها ماننغ بدون أن يذكر مصدر هذه المعلومات فانتشرت بسرعة كبيرة وأصبح اسانج أشهر شخصية في الكون.
اعتبرت هذه الوثائق من أكبر المستندات السياسية في هذا العصر وأكبر خرق أمني في تاريخ أميركا. تم نشر الوثائق في صحف الجارديان البريطانية والنيويورك تايمز الأميركية ودير شبيغل الألمانية وتمت مشاهدة فيديو الضربة الجوية الأميركية في بغداد 15 مليون مرة على اليوتيوب.
في تلك الأثناء أخبر مانينغ أحد معارفه على الإنترنت وهو قرصان معلومات يدعى «أدريان لامو» بأنه هو من قام بتسريب الوثائق الى اسانج. يقول مانينغ «كنت بحاجة أن أخبر أحدهم أن ما قمت به هو لمساعدة الناس وليس إيذائهم. كنت بحاجة لان أثق في أحد ما وأخبره بما فعلت. لم أكن قد قابلت لامو في حياتي إطلاقا ولكنني وثقت به وطمأنني هو بأنه لن يكشف هذه الأسرار لأحد».
في اليوم التالي أخبر «لامو» السلطات الأميركية والتي قامت باعتقال مانينغ في العراق ومن ثم نقله إلى معسكر أميركي في الكويت ومن هناك إلى سجن كوانتكو في فيرجينيا. تم وضعه في الحجز العسكري لمدة 3 سنوات بدون محاكمة قبل توجيه 22 تهمة له منها التجسس والاتصال مع العدو حيث صدر ضده في العام 2013 حكم بالسجن لمدة 35 عاماً يقضيها الآن في سجن ليفنوارث في تكساس. بعد اعتقال مانينغ بدأت أميركا بمطاردة اسانج ووصفه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه إرهابي وعدو للشعب الأميركي وتعرضت ويكيليكس لهجمات الكترونية وتوقفت شركة فيزا وماستركارد عن قبول أي تبرعات لويكيليكس.
فجأة ظهرت فتاتان في السويد اتهمتا اسانج بمحاولة اغتصابهما فطلبت السويد من لندن ترحيله اليها. قام اسانج بتسليم نفسه الى السلطات البريطانية التي أفرجت عنه بكفالة حيث قال: «قلت للمحكمة أن هذه قضية ذات دوافع سياسية القصد منها التشهير بي وتلطيخ سمعتي ومنعي من نشر بقية الوثائق التي أمتلكها». عاش اسانج في مزرعة خاصة «ايلينغهام هول» والتي يملكها أحد أصدقائه خارج لندن ومع استمرار السويد في مطالبه السلطات البريطانية بترحيله اليها استعداداً لتسليمه إلى الولايات المتحدة قام اسانج باللجوء السياسي إلى سفارة الإكوادور في العام 2012 حيث لا يزال يعيش في شقة صغيرة داخل دار السفارة في لندن. ساعدت ويكيليكس شخصاً ثالثاً اسمه ادوارد سنودن في كشف ما يعرف من معلومات عن التجسس على الشعب الأميركي وعلى قادة العالم وعلى ما يدور في الانترنت. وقد هرب سنودن من أميركا وهو الآن لاجئ سياسي في روسيا تطارده الولايات المتحدة وتضيق عليه الخناق.
يقال أن وثائق ويكيليكس هي أحد أسباب قيام الربيع العربي فقد عمت المظاهرات بلاد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث نشرت وثائق تظهر فساد الحكم (تظهر إحدى الوثائق أن ابنة الرئيس التونسي بن علي كان تستقدم البوظة من باريس بطائرة خاصة يومياً). كنت أنا في أمستردام منذ بضع سنوات أيام ظهرت الصور المسيئة للرسول محمد عليه الصلاة السلام فقال محدثي الهولندي «لماذا انتم العرب تثورون هكذا عندما ينتقد أحدهم نبيكم محمد بينما يستطيع أي واحد هنا في الغرب انتقاد السيد المسيح أو أي شخصية أخرى». قلت له: ماذا لو انتقدت الهولوكوست؟ قال: «هذا الموضوع مختلف وكل من ينكر الهولوكوست سوف يتعرض للسجن لمدة 3 سنوات». إذا كان ما فعله مانينغ واسانج وسنودن جريمة فيجب اعتبار أن ما تنشره صحيفتا نيويورك تايمز والواشنطن بوست وبقية الصحف الأميركية جريمة يومية تتكرر على مدار السنوات. تتحدثون في الغرب عن حرية التعبير وحرية الرأي وحقوق الانسان. تباً لكم.