داعش والتطورات الأقليمية المتقلبة


ليست التطورات التي شهدها أرض العراق ومحافظاته الغربية والشمالية وخاصة نينوى ومركزها الموصل ، وصلاح الدين ومركزها تكريت ، إضافة إلى محافظتي الأنبار وديالى بدءاً من الثامن من حزيران 2014 حدثاً عراقياً داخلياً ، غيّر من موازين القوى المحلية ، الفاعلة على أرضه ، في دولة زادت فيها مظاهر الإنقسام ، والتمزق القومي ، والطائفي ، وحسب ، بل ثمة تداعيات إقليمية ، فرضت نفسها ، إنعكاساً لما جرى ، دللت على أن تنظيم " دولة العراق والشام " ، تنظيم عابر للحدود ، مثله مثل أغلبية الفصائل الأصولية الإسلامية : 1- حركة الإخوان المسلمين ، 2- ولاية الفقيه الإيرانية ، 3- تنظيم القاعدة ، و4- حزب التحرير الإسلامي . 

سرعة الحدث وقوة الإندفاع 

لقد أدت حركة " داعش " وهجومها المبادر إلى تحقيق نتائج غير متوقعة في نظر كافة المراقبين ، جعلت غالبيتهم ينظر بدهشة لما جرى ، نظراً لسرعة الحدث ، وقوة الإندفاع ، وتراجع الجيش العراقي وهزيمته في المحافظات العربية السنية التي طالها الحدث ، وحصل على أراضيها التغيير لمصلحة داعش ، ويمكن تلخيص هذه النتائج كما يلي : 

أولاً : تمكن إقليم كردستان من تحقيق غرضه ، في السيطرة على محافظة كركوك المتنازع عليها بين العرب والأكراد ، والعمل على ضمها للأقليم من طرف واحد ، وإعلان الرغبة لإستقلال كردستان عن العراق بدولة كردية مستقلة . 

ثانياً : وبإستيلاء داعش على المحافظات الغربية والشمالية ، يكون قد تم رسم خارطة الإنقسام بين المكونات الثلاثة الكردية والشيعية والسنية لدولة العراق ، بشكل فاقع وبارز . 

ثالثاً : إتساع الفجوة بين تنظيم القاعدة وأميرها أيمن الظواهري من طرف ، وتنظيم داعش وأميرها أبو بكر البغدادي من طرف أخر ، وهو تعبير عن إنقسام تنظيمي ومرجعي وسياسي ، دموي وعميق بين الطرفين ، وكل منهما يعتبر الفصيل الأخر ، نقيضه وبديله وضده . 

رابعاً : بروز فصيل فلسطيني داعم إلى داعش ، أعلن الولاء والتبعية للخليفة أبو بكر البغدادي ، وقدم له قائمة بالعمليات التي نفذها ومن ضمنها إختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة . 

الدولة والخلافة 

في خطابه كخليفة للمسلمين كافة ، أعلن أبو بكر البغدادي ، يوم الأحد 29 حزيران 2014 ، قيام " الدولة الإسلامية " وهو خليفتها ، بديلاً لتسمية دولة العراق والشام " تأخى فيها الأعجمي والعربي والأبيض والأسود والشرقي والغربي ، وخلافة جمعت القوقازي والهندي والصيني والشامي والعراقي واليمني والمصري والمغربي والأمريكي والفرنسي والألماني والأسترالي ، وأصبحوا إخواناً واقفين في خندق واحد ، يدافع ويحمي بعضهم بعضاَ " 

ودعا أمة الإسلام وخاطبهم بقوله " تتحرري من قيود الضعف ، وقومي في وجه الطغيان ، على الحكام الخونة ، عملاء الصليبيين والملحدين وحماة اليهود ، الذين عملوا على تنصيب حكام عملاء خونة ، يحكمون المسلمين بالنار والحديد ، رافعين شعارات براقة خداعة ، كالحضارة ، والإسلام ، والتعايش ، والحرية ، والديمقراطية ، والعلمانية ، والبعثية ، والقومية ، والوطنية ، وغيرها من الشعارات الزائفة الكذابة " ، أما اليوم ، يقول أبو بكر البغدادي " للمسلمين كلمة عالية ، وأقداماً ثقيلة ، أقداماً تدوس وثن القومية ، وتحطم صنم الديمقراطية ، وتكشف زيفهما " ، وهو لم يترك أحداً إلا ونال منه ، بروح ثورية جهادية ، لا تعرف اللين ولا تستصيغه ، وحلف بالله " لنثأرن ، ولو بعد حين ، ولنرد الصاع صاعات " وخاطب الأمة بقوله " يا أمة الإسلام لقد بات العالم اليوم في فسطاطين إثنين ، وخندقين إثنين ، ليس لهما ثالث ، فسطاط إسلام وإيمان ، وفسطاط كفر ونفاق ، فسطاط المسلمين والمجاهدين في كل مكان ، وفسطاط اليهود والصليبيين وحلفائهم ، ومعهم باقي أمم الكفر وملله ، تقودهم أمريكا وروسيا وتحركهم اليهود " وقد أيده في مسعاه ، وفي إعلان الدولة الإسلامية ، وفي خلافته لها " جماعة أنصار الدولة الإسلامية في بيت المقدس " ، والشيخ أبو براء الشامي " أمير جيش الصحابة في بلاد الشام " الذي صدر عنه البيان رقم 4 ، وحمل توقيع القيادة العامة لجيش الصحابة في بلاد الشام . 

تأييد من فلسطين 

من بيت المقدس صدّر ، جماعة أنصار الدولة الإسلامية ، بياناً ، باركوا فيه ، للدولة الإسلامية المعلنة ، وخلافتها الراشدة ، وتمددها ، والفتوحات المستمرة التي قامت بها ، وأرسلو سلاماً خاصاً لأمير المؤمنين أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ، وأهدوه ، أعمالاً جهادية من نوع جديد في بيت المقدس وأكنافه ، وأعلنوا عن مسؤوليتهم عن تنفيذها وهي : 
1- عملية أسر وقتل المجندين الثلاثة في مدينة الخليل . 
2- عمليات قنص في الخليل وترقوميا . 
3- عمليات إطلاق صواريخ من غزة وضرب أليات العدو الصهيوني من شهر ونصف . 

ووجهوا عبر بيانهم عدة رسائل أولها لليهود قالوا فيها : 
" بإحتلالكم لأرض المسلمين في فلسطين ، وظلمكم للمسلمين في بيت المقدس ، قد فتحتم على أنفسكم باب لا يُسد ، وعليكم الخروج إما مهاجرين سالمين ، أو معاقين ، أو مأسورين ، أو تدفنون بها مقتولين ، كما وجدتم جثث مجنديكم الثلاثة " . 

وثاني رسالتهم لقيادة السلطة الفلسطينية " إن لكم في جعبتنا مفاجأت ، قد عملتم لأنهاء الجهاد في الضفة وغزة ، فإنتظرونا جئناكم بالذبح والقتل ، ونقول لمن له عقل ، باب التوبة مفتوح قبل القُدرة عليكم " . 

ورسالتهم الثالثة خاطبوا فيها المسلمين في بيت المقدس وأكنافه ، ونددوا بمشاركة حركة حماس بالإنتخابات ، ودخولهم للمجلس التشريعي ، وإنتقادهم لحماس وللجهاد الإسلامي ، لتحالفهم مع إيران ، وإدخال نفوذها إلى فلسطين ، وقالوا : 
" لسنا جماعة حزبية ، كتنظيمات الذل والهوان ، التي باع الكثير من قياداتها ، الدين لصالح السياسة ، والدخول في البرلمانات الشركية ، وموالاة الكافرين ، وقادة الشيعة ، الذين يحاولون تمرير دعوتهم للضفة وغزة " ، وقد أشادوا بالشهداء : أبو النور المقدسي ( عبد اللطيف موسى ) ، أبو الوليد السعيدني ، ومعتز دغمش ، وأشرف صبّاح أبو البراء المقدسي ، وأنهم على نفس المنهج ، ونفس الطريق ، ونفس الهدف . 

تأييد جيش صحابة بلاد الشام 

بينما البيان رقم 4 الصادر عن القيادة العامة ، لجيش الصحابة في بلاد الشام ، فقال أنهم : " منذ سنوات خمسة ، عملنا على الحشد والأعداد لقتال النصيرية ، قبل أحداث الشام ، وقد أصابنا ، الحصار والضيق من قبل القريب قبل البعيد ، سنوات ثقال عجاف تلقينا فيها العروض والمال السخي ، لكننا لم نركن على أهل الضلال والكفر ، وقد بقيت نصرتنا للدين وللمجاهدين وقتال النصيرية وأعوانهم ، طوال هذه الفترة سرية غير ظاهرة للعلن ، لإجتهاد كنا نراه ، وبفضل السرية التي إلتزمناها ، تمكنا من نصرة إخواننا المحاصرين أبان الأحداث وإمدادهم ، وإعداد التقارير العسكرية لإخواننا ، والمساعدة في إستقدام المهاجرين والتنسيق معهم ، وتقديم ما قدرنا عليه من دعم " ، وأخيراً بلغنا إعلان الخلافة وتنصيب خليفة للمسلمين من قبل الدولة الإسلامية في العراق والشام ، وعليه فإننا نعلن حل " جيش الصحابة في بلاد الشام " ودعوة عناصره الحاليين والسابقين وجميع الجماعات والكتائب لبيعة الخليفة أبي بكر البغدادي " . 
موقف القاعدة 

في الأول من تموز ، أصدر أبو محمد المقدسي القريب الصلة من تنظيم القاعدة ، ويدين بالولاء إلى أيمن الظواهري ، بياناً ، تناول فيه رأيه ، ضد إعلان أبو بكر البغدادي الخلافة للدولة الإسلامية جاء فيه : 
" سُئلت عن انتصارات تنظيم الدولة في العراق فقلت : لا يوجد مؤمن لا يفرح بانتصارات مسلمين مهما كان حالهم ووصفهم ، وإنما الخوف على مآلات هذه الإنتصارات ، وكيف سيعامل أهل السنة ، والجماعات الأخرى الدعوية ، أو المجاهدة ، وعموم المسلمين في المناطق المحررة ؟ وضد من ستُستخدم الأسلحة الثقيلة التي غُنمت من العراق وأُرسلت إلى سوريا ؟ هذا هو سؤالي وهَمِي؟ لأننا لا نثق بالعقليات التي تمسك بذلك السلاح لأسباب كثيرة " . 
وحول مسمى الدولة الإسلامية قال المقدسي وإسمه الحقيقي عاصم طاهر البرقاوي : 
" لا يضيرني المسمى ، وإعلانه ، ولن أُضيع وقتي في تفنيد ما سوده في كتابه ، فكلنا يتمنى رجوع الخلافة وكسر الحدود ، ورفع رايات التوحيد ، وتنكيس رايات التنديد ، ولا يكره ذلك إلا منافق ، والعبرة بمطابقة الأسماء للحقائق ، ووجودها وتطبيقها حقا ، وفعلا على أرض الواقع ، ومن تعجل شيئا قبل أوانه عُوقب بحرمانه ، ولكن الذي يهمني جدا هو ماذا سيرتب القوم على هذا الإعلان والمسمى الذي طوروه ، من تنظيم ، إلى دولة عراق ، ثم إلى دولة عراق وشام ، ثم إلى خلافة عامة ، هل ستكون هذه الخلافة ملاذا لكل مستضعف وملجأ لكل مسلم ، أم سيتخذ هذا المسمى سيفا مسلطا على من يُخالفهم من المسلمين ، ولتشطب به جميع الإمارات التي سبقت دولتهم المعلنة ، ولتبطل به كل الجماعات التي تجاهد في سبيل الله في شتى الميادين قبلهم " . 
وتابع أبو محمد المقدسي بيانه إلى القول : 
" لقد سبق وأعلن الإخوة في القوقاز إمارتهم ، ولم يرتبوا على ذلك شيئا يُلزم عموم المسلمين في نواحي الأرض ، ولا سفكوا لأجل هذا المسمى أو به دما حراما ، فما مصير إمارة القوقاز الإسلامية عند هؤلاء القوم بعد الصدح بمسمى الخلافة ؟؟ كما وأعلن الطالبان إمارة إسلامية قبلهم ولا زال أميرها الملا عمر ، يقارع الأعداء هو وجنوده ، وما رتبوا على مسمى الإمارة ، التي وجدت فعلا على أرض الواقع لسنين ، سفك دم حرام ، فما مصير هذه الإمارة عند من تسمى بمسمى الخلافة الإسلامية وأعلنها ؟ وما هو مصير سائر الجماعات المسلمة المقاتلة المبايع لها من أفرادها ، في العراق والشام ، وفي كافة بقاع الأرض ، وما هو مصير دمائهم عند من تسمى بالخلافة الإسلامية اليوم ، ولم يكف بعد عن توعد مخالفيه من المسلمين بفلق هاماتهم بالرصاص " ؟؟ . 

وختم بيانه في القول : 

" لا تظنوا أنكم بأصواتكم العالية ستسكتون صوت الحق ، أو أنكم بتهديدكم وزعيقكم وقلة أدبكم وعدوانكم ستخرسون شهاداتنا بالحق لا وألف لا .. فسنبقى حراسا مخلصين لهذا الدين ، وحماة ساهرين على حراسة هذه الملة ، نذب عنها تحريف المحرفين ، وانتحال المبطلين ، وتشويه الغلاة ، والمتعنتين وغيرهم من المشوهين " . 

موقف حزب التحرير الإسلامي 

حزب التحرير الإسلامي ، أحد التنظيمات الإسلامية القوية العابرة للحدود في العالم العربي ، أدان خطوة الإعلان عن الدولة والخلافة كما قال ممدوح قطيشات الناطق بلسان الحزب ، إذ قال إن رفض الفكرة الداعشية ، رفض وعي ، لأنها دولة وخلافة ، لم تقم على أسس شرعية ، وأن أبو بكر البغدادي أمير تنظيم الدولة " لم يبايع بيعة انعقاد شرعية صحيحة من قبل أهل حل وعقد حقيقيين ، ومعتبرين ، ليكون خليفة للمسلمين ، حتى يتمكن من أخذ بيعة الطاعة منهم ، والمكان المعلن ليس فيه مقومات الدولة في المنطقة المحيطة " . 
وتابع: " لو كان المكان فيه الشروط الشرعية ، والامكانيات الحقيقية ، وفيه أهل حل وعقد يمتلكون السلطان الذي هو للأمة ، وكان هناك بيعة انعقاد شرعية لرجل تتوافر فيه أيضا الشروط اللازمة حتى تنعقد له الخلافة ، بشرط أن يكون أمان الدولة بأمان المسلمين فقط ، لكان موقفنا هو الموقف الشرعي الواجب ، وهو المبايعة والولاء ، والدفاع عن الدولة والخليفة بالانفس والاموال والاولاد ، ولكن ما تم الاعلان عنه لا يرتب علينا إلا الموقف الذي أعلنه أمير الحزب ( حزب التحرير الإسلامي وأميره عطا أبو الرشته ) والذي يستند فيه إلى أحكام الاسلام ، ولا شيء إلا أحكام الاسلام " ، ولذلك خلص الناطق بلسان حزب التحرير إلى أن موقف داعش بإعلان الخلافة " لا يرتب على المسلمين أي تبعات إلا مواصلة العمل من أجل إيجاد دولة الخلافة لأن ذمة المسلمين ما زالت مشغولة بعدم وجود دولة الخلافة ". 

وفي الأول من تموز 2014 أعلن أمير حزب التحرير الإسلامي عطاء بن خليل الرشتة ، بياناً من سبعة نقاط جاء فيها : 

1- إن أي تنظيم يريد إعلان الخلافة في مكان ما فإن الواجب أن يكون لهذا التنظيم سلطان ظاهر في هذا المكان يحفظ فيه أمنه في الداخل والخارج ، وأن يكون هذا المكان فيه مقومات الدولة في المنطقة التي تعلن فيها الخلافة . 
2- والتنظيم الذي أعلن الخلافة لا سلطان له على سوريا ولا على العراق ، ولا هو محققاً للأمن والأمان في الداخل ، ولا في الخارج ، حتى إن الذي بايعوه خليفة لا يستطيع الظهور فيها علناً ، بل بقي حاله مختفياً كحاله قبل إعلان الدولة ، وهكذا فإعلان التنظيم للخلافة هو لغو لا مضمون له ، فهو كالذين سبقوه في إعلان الخلافة دون حقائق على الأرض ولا مقومات ، بل لإشباع شيء في أنفسهم ، فذاك الذي أعلن نفسه خليفة ، وذاك الذي أعلن أنه المهدي...الخ ، دون مقومات ولا سلطان ولا أمن ولا أمان .! 
3- إن الخلافة دولة ذات شأن ، بيَّن الشرع طريقة قيامها وكيفية استنباط أحكامها في الحكم والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية وليست إعلاناً لاسم دون مسمى يُطلَق في المواقع الإلكترونية أو وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، بل هي حدث عظيم يهز الدنيا ، جذوره ثابتة على الأرض ، وسلطانه يحفظ الأمن الداخلي والخارجي على تلك الأرض ، يطبق الإسلام في الداخل ويحمله للعالم بالدعوة والجهاد . 
4- إن الإعلان الذي تمّ هو لغو لا يقدم ولا يؤخر في واقع تنظيم الدولة ، فالتنظيم هو حركة مسلحة قبل الإعلان وبعد الإعلان ، شأنه شأن باقي الحركات المسلحة تتقاتل فيما بينها ومع الأنظمة دون أن تبسط أي من هذه الفصائل سلطاناً على سوريا أو على العراق أو على كليهما ، ولو كانت أي من هذه الفصائل ومنها تنظيم الدولة ، لو كانت تبسط سلطانها على أي منطقة ذات شأن فيها مقومات الدولة وأعلنت إقامة الخلافة وتطبيق الإسلام لكانت تستحق البحث ليُرى إن كانت الخلافة التي أقيمت هي وفق الأحكام الشرعية ، فعندها تُتَّبع . 
أما والأمر ليس كذلك ، بل جميعها فصائل مسلحة "مليشيات" ومنها التنظيم ، لا مقومات دولة ولا سلطان على الأرض ولا أمن وأمان ، فإن إعلان التنظيم بإقامة الخلافة هو لغو لا يستحق الوقوف عنده للبحث في واقعه فهو ظاهر للعيان . 
5- ولكن الذي يستحق الوقوف عنده للبحث فيه هو الخشية من أن يترتب على هذا الإعلان أثر سلبي بالنسبة لفكرة الخلافة عند البسطاء في التفكير ، فتسقط فكرة الخلافة عندهم من مركزها العظيم ، وأهميتها الكبرى للمسلمين ، تسقط من ذلك إلى فكرة هشة أشبه بمجرد التنفيس عن مشاعر قلقة عند بعض الأشخاص ، فيقف أحدهم في ساحة أو ميدان أو قرية فيعلن أنه خليفة ثم ينزوي ويظن أنه يحسن صنعا فتفقد الخلافة أهميتها وعظمتها في قلوب هؤلاء البسطاء وتصبح ليست أكثر من اسم جميل يتسمى به من شاء دون محتوى . 
6- كل هذا يجعل علامة استفهام ، بل علامات حول توقيت هذا الإعلان دون سلطان ظاهر مستقر لأصحاب الإعلان يحفظ أمن هذه الدولة الداخلي والخارجي ، بل هكذا على الفيسبوك أو الإعلام... هذا التوقيت مشبوه ، وبخاصة وأن الحركات المسلحة القائمة على غير أساس تكتلي فكري يجعل اختراقها سهلاً ، ودخول أشرار الشرق والغرب في صفوفها ميسورا ، ومعلوم أن الغرب والشرق يكيدون للإسلام وللخلافة . 
7- ومع كل ما يصنع أولئك الأشرار ، فإننا نؤكد أنَّ الخلافة التي سادت الدنيا قروناً هي معلومة غير مجهولة ، عصية على التشويه مهما كان الكيد والمكر. 

إنشقاق داعش عن القاعدة 

النتيجة الأولى التي يمكن للمراقب أن يخرج منها في ضوء قراءة المواقف المختلفة هي أن تنظيم " داعش " إنشق عن تنظيم " القاعدة " ، لإسباب سياسية أو تنظيمية أو فكرية أو مالية أو لتطلعات شخصية ، مثله في ذلك مثل سائر التنظيمات والفصائل والأحزاب اليسارية والقومية والأصولية والليبرالية ، التي تتعرض للإنقسام والإنشقاق ، لا يختلف في ذلك عنهم ، وإن كانت الأحكام الصادرة من طرفي الخلاف والصراع أكثر قسوة وأشد بئساً ، وأن كليهما يقوم على توظيف الدين والإسلام ، خدمة للتنظيم وصولاً إلى السلطة ، ومصدر صنع القرار ، فالدين والتقوى ، هو غطاء ومرجعية لتأدية الوظيفة السياسية للتنظيم ، وصولاً نحو السلطة . 

خلافة البغدادي ليست الأولى 

والنتيجة الثانية أن الخلافة المعلنة من الموصل ، ليست الأولى فقد سبقها إعلانات لقيام الخلافة في أفغانستان وفي القوقاز ، فإعلان الخلافة ليس تفرداً غير مسبوق من قبل داعش فقد سبقها تنظيم القاعدة بإعلان الخلافة ، إضافة إلى أن ولاية الفقيه الإيرانية هي بمثابة خلافة لكافة المسلمين ، وليس مجرد موقع وظيفي أو سلطة يقتصر نفوذها أو سلطتها على الشعب الإيراني ، بل هي سلطة معنوية وأخلاقية ومرجعية عابرة للحدود لكل من يؤمن بها وينحاز لها . 

تأييد البعثيين 

ومع ذلك ، وجه عزة الدوري ، أمين عام حزب البعث العربي الإشتراكي ، رسالة مفتوحة يوم 12/7/2014 ، حيا فيها " جيش وفصائل الثورة ، جيش رجال الطريقة النقشبندية ، ومقاتلي الجيش الوطني ، ومقاتلي القيادة العليا للجهاد والتحرير ، ومقاتلي الجيش الإسلامي ، ورجال كتائب ثورة العشرين ، ومقاتلي جيش المجاهدين " . 
وحيا بشكل خاص " بعض مجاميع أنصار السنة ، وفي طليعة هؤلاء جميعاً أبطال وفرسان القاعدة والدولة الإسلامية ، تحية خاصة ملؤها الإعتزاز والتقدير والمحبة ، تحية طيبة لقياداتهم التي أصدرت العفو العام عن كل من زلت قدمه وخان نفسه ووطنه ، ثم تاب " . 

ودعا " الفصائل الجهادية الإسلامية أن يسموا على الطائفية والعرقية والإقليمية " ودعاهم إلى تأجيل الخلافات " مهما كان حجمها ونوعها ، لأن هدف تحرير العراق أكبر من كل الخلافات " . 

ووصف " يومي تحرير نينوى وصلاح الدين ، من أعظم أيام تاريخ العراق والعرب منذ أيام الفتح الإسلامي " وأن " نصف العراق الأن قد تحرر وخرج من قبضة الإستعمار الصفوي ، وأن تحرير بغداد بات قوسين ، أو أدنى " . 

عزة الدوري وجه تحيته إلى فرسان وقيادات الدولة الإسلامية وفرسانها وأبطالها ، رغم وصف أبو بكر البغدادي للبعثية وللقومية ، على أنها شعارات كذابة ، وأن لخلافته أقداماً لدوسها ، وكشف زيفها . 

القاعدة : إمارة إسلامية على أرض الشام 

من جهته ، رد أمير جبهة النصرة ، فرع تنظيم القاعدة في سورية ، أبو محمد الجولاني ، على مشروع الدولة الإسلامية وإعلان الخلافة ، رد على ذلك بإعلان إقامة " إمارة إسلامية على أرض الشام " ، مؤكداً أنه لن يسمح لـ"المتسلقين" أن يقطفوا ثمار " الجهاد " ، وخاطب جماعته ومقاتليه بقوله : 
" حان الوقت لتقطفوا ثمار جهادكم الذي مضى منه ثلاث سنوات على أرض الشام ، وأكثر من 40 سنة من جهاد لتنظيم القاعدة في بلاد الأرض شتى ، وقد آن الأوان أن نقيم إمارة إسلامية على أرض الشام ، تطبق حدود الله ، وتطبق شرعه ، بكل ما ترتضيه الكلمة من معنى ، دون تهاون أو استهانة أو مواربة أو مداراة " . 
وأكد في التسجيل ، أن جبهة النصرة لن تسمح للمشاريع " العلمانية " و" الانبطاحية " و"الخارجية " بأن تقطف ثمرة الجهاد في سوريا ، " ولم لم يبق منا سوى قطرة دم واحدة " ، وتابع " اليوم سنبدأ العمل بجد ، بأن نقيم هذه الإمارة مهما كلفنا ذلك من طاقة ، ويجب أن نتساعد جميعاً ونبذل كل طاقتنا ، صغيرنا وكبيرنا ، ومن يأبى هذا فلا حاجة لنا أن يبقى بين صفوفنا " . 
وبيّن الجولاني أن الإمارة التي تحدث عنها سيكون لها حدود تماس واسعة ، "منها مع النظام ، ومنها مع الغلاة ، ومنها مع المفسدين ، ومنها مع البككة ، وغيرهم من الأعداء الذين يتربصون بهذه الأمة" على حد تعبيره ، وأضاف أن مشروع الإمارة سيمضي ضمن " خطوات سريعة " ، مؤكداً أن جبهة النصرة " تملك قوة هائلة ، قلما ينافسها أحد من أهل الشام " . 
وزاد " نسعى لإقامة إمارة شرعية إسلامية على منهاج النبوة ، لا نريد فيها أي مداراة لأية مشاعر أو سياسة شرعية خاطئة ، بل نراعي فيها السياسات الشرعية ضمن الضوابط التي وضعها الله لنا ، وفيما دون ذلك فلسنا نسأل عن رأي غرب أو شرق ، أو داخل أو خارج ، أو أيٍّ من هؤلاء المنبطحين " ، وأكد أن "جيش الإمارة الذي سيقوم على صيانتها ، يجب أن يكون جيشاً قوياً متيناً ، قلوب أصحابه مفعمة بالإيمان " ، مضيفاً ومبشراً " لا معنى لدينا لشيء اسمه انسحاب بعد اليوم ، وإذا ما اخترنا قتالاً فسنقاتل حتى الموت ، في أي جبهة من الجبهات ، سواء ضد النظام ، أو ضد الغلاة ، أو ضد البككة ، أو ضد المفسدين ، أو ضد أيٍّ كان ، لن نتهاون مع أحد بعد اليوم أبدا " . 


الموقف الإيراني ، لم تشغله الأحداث عن أهمية ما يجري على الأرض العراقية والسورية ، فهما خندقه المتقدم ، لحماية مصالحه ودوره وتعزيز مكانته ، وقد أعلن أحمد الحسني القائم بالأعمال الإيرانية في الأردن ، في إحتفالية القدس يوم الجمعة الأخيرة من رمضان 25 تموز 2014 ، وأمام حشد من السياسيين ، أعلن موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من داعش والقاعدة بقوله : 

" نحن نري ان ما يجري في بعض الساحات الاسلامية لا تتجاوز الاختلاف البيبنة داخل عائلة واحدة تحتاج الي بعض الوقت لحل جذورها بشكل تام ولكن و مع الاسف و بالرغم من التحذيرات التي يشدد عليها الحريصون علي مصالح الامة الاسلامية و ودعوتهم للحفاظ علي مقدراتها وحل و تصفية القضايا التي تشهدها بعض ساحات الدول من دون تدخل اجنبي الا ان هناك ثمة مخاطر متاتية من الدعم الذي يقدمها بعض الدول الي الجماعات الارهابية التكفيرية المتشددة الجهلة من امثال الداعش وجبهة النصرة و غيرها من الحركات المشبوهة التي تنشط و تعمل تحت راية الاسلام الامريكي والتي استهدفت ضرب الوحدة بين ابنا الامه الاسلاميه و شق صفها و كذلك افتعال الفتنة بين الشيعة و السنة و فتح جبهات جانبية حتي يتم تهميش القضية الفلسطينة خدمة لمآرب الاعداء و اهدافهم المشوومة و هو المستفيد الاول مما يجري الان في سوريه و العراق و يتنفس الصعداء حتي ياتي بامر كان مفعولا " . 



h.faraneh@yahoo.com