هل نجح إضراب المعلمين؟
بالرغم من الحملة التصعيدية الكبيرة، إعلامياً واجتماعياً وسياسياً، التي قامت بها الأجهزة الحكومية في محاولة لإفشال إضراب المعلّمين؛ إلاّ أنّني لا أعتقد أنّ الحكومة أو وزارة التربية والتعليم أو أيّاً من المسؤولين كان يراهن على فشل الإضراب، فمثل هذه القضايا اليومية المعيشية تحظى، عادةً، بتأييد صارم في أوساط المطالبين بها.
ليست هنالك أوهام بفشل الإضراب (أيّا كانت نسبة الالتزام به)، لكن الأزمة الحقيقية بدأت الآن. فالحكومة ونقابة المعلمين على الشجرة معاً، وربما المخرج الوحيد الذي لن يجد الطرفان غيره في نهاية اليوم، سيتمثّل في "المبادرة النيابية"؛ أي جدولة المطالب المالية، بعد أن استجابت الحكومة لأغلب مطالب المعلّمين غير المالية، لأنّ الطرفين دخلا في صراع لن يكون فيه منتصر ومهزوم، فكلاهما متأزمان.
صحيح أنّ الإضراب نجح، لكن إلى أيّ مدى يمكن أن يستمر؟ وما هي حلول النقابة إذا ركبت الحكومة رأسها، وأصرّت على عدم الاستجابة؟ كلما طال أمدّ النزاع، كلما اكتسب طابعاً سياسياً واجتماعياً، وربما يؤدي في النهاية إلى تأليب الشارع على المعلّمين، أو حتى تفكير "الدولة" في حلول غير تقليدية تجاه النقابة، أو حتى جماعة الإخوان المسلمين التي تحمّلها الدولة مسؤولية "التأزيم" عبر التلميحات والتسريبات الإعلامية.
لن يصمد الإضراب طويلاً، إذا ما شعرت أغلبية المعلّمين بأنّه سينتهي إلى الإضرار بمصالحهم بدلاً من تحسينها، وربما يكون "قميص عثمان" الذي يستخدم للإجهاز على ما تحقق للمعلمين خلال العامين المنصرمين!
في المقابل، لن تنجح أي محاولات أو خطط حكومية بديلة للمعلّمين، والحديث عن ذلك هو أيضاً أوهام ودعاية سياسية فاشلة. المبالغة في محاولات تسييس القضية من قبل الإعلام الرسمي، أو تأليب الشارع على النقابة، سيأتيان في كل الأحوال بمردود عكسي وسلبي. ولعلّ النتيجة البديهية الواضحة بأنّ أي إساءة أو امتهان للمعلمين في الإعلام أو عبر المجتمع، سينتهيان في غرفة الصف عبر معلّم محبط، ساخط، ليس لديه أي استعداد حقيقي للإبداع والعطاء والتدريس، وإلى تحطيم هذا المجال الحيوي والكبير الذي يشهد انهياراً هائلاً وملحوظاً خلال الأعوام الماضية، بدلاً من العمل على بناء خطة استراتيجية متكاملة لإنقاذه!
في الخلاصة، لن يكون هناك منتصر أو مهزوم في أزمة المعلّمين، سواء نجح الإضراب أو فشل، والتصعيد الحالي المتبادل هو نموذج واضح وسافر لسوء إدارة الأزمة من قبل الجميع. فبدلاً من التركيز على ما وصلت إليه حالة التعليم، وعقد اجتماعات مكثفة لوضع استراتيجيات الإنقاذ، يدخل المعلمون والحكومة في "تكسير متبادل"، وكأنّهم خصوم وليسوا شركاء ومسؤولين عن عملية الإنقاذ!
من الضروري أن يدرك الزملاء في نقابة المعلمين أنّ هناك إدراكاً من قبل أغلبية الطبقة السياسية لمطالبهم العادلة والمشروعة؛ وهناك إدراك، كذلك، بأنّ تحسين أوضاع المعلمين شرط أساسي لإنقاذ التعليم في الأردن. لكن الخلاف معهم هو حول المعيار الأخلاقي في اللجوء السريع إلى الإضرابات، وحول المدى الزمني المطلوب لإصلاح وتصحيح هذه الأوضاع في ظل الأزمة المالية الخانقة حالياً؛ فليس من الممكن أن تتم إزالة الجور التاريخي عليهم في أشهر معدودات!
أمّا الحكومة، فمن الضروري ألا تفصل بين أولوية إصلاح التعليم وبين تحسين أوضاع المعلمين، فهما أجزاء في عملية متكاملة ومهمة إصلاحية مستعجلة من ناحية، وبأنّ الإساءة للمعلمين لن تأتي بأي حال بنتائج ايجابية ثانياً، وبأنّ الحكومة، وقد بدأ رئيسها حياته المهنية معلماً ويعرف تماماً قدسية هذه المهنة، من المفترض أن تكون حريصة، قبل غيرها، على أن يعود المعلّم لغرفة الصفّ وهو يشعر بالكرامة والانتصار المعنوي والرمزي، وبشراكته مع الوزارة في تصحيح المسار التعليمي المتدهور.