كي لا يُلدغ الفلسطينيون للمرة الألف!


ما تراهن عليه إسرائيل من وقف إطلاق النار المتقطع أو الهدف الأشبه باستراحات محارب ليس فقط كسب الوقت واستكمال العدوان كي تظفر ولو بأهداف وهمية كقتل المزيد من الأطفال أو اغتيال المزيد من القادة الميدانيين، إنها تكسب من هذه اللعبة التي تحول العدوان إلى دودة شريطية ما يسميه علماء النفس الإرهاق العاطفي والعصبي لمن أصبحوا يحصون الدقائق بعدد الشهداء، إضافة إلى هدف آخر إدخال الموت اليومي بل اللحظي وبالجملة إلى دائرة المألوف، وقد مر العرب بتجارب من هذا الطراز ربما كان العراق نموذجها الأبرز ففي بواكير الانفجارات الطائفية في العراق كان عدد القتلى لافتاً وله صدى في نشرات الأخبار رغم قلته، لكن بمرور الوقت أصبح قتل ثمانين عراقياً في مسجد أو ذبح مئات من بعض الأقليات مجرد خبر عادي، فإسرائيل تستعين بخبراء في فقه الحروب وأخصائيين في سايكولوجيا العدوان الذي تبرره نظريات عنصرية تبيح التطهير العرقي.
أما الهدف الأبعد وهو استراتيجي بامتياز فهو الرهان على خلافات فلسطينية بينية بعد أن التأمت الفصائل كلها وعلى نحو يسرّ الصديق ويغيظ العدو، فالإطالة والمماطلة وَترٌ طالما عزفت عليه إسرائيل لفك الأصابع من القبضة الفلسطينية لهذا نشعر بالقلق من تلميحات فضائية حول خلافات طارئة. وما يبدأ تلميحاً لا بد أن ينتهي تصريحاً وعندئذ تكون الكارثة قد اكتملت، رغم أن حكومة نتنياهو أدركت ولو لبعض الوقت أن لدى المقاومة الفلسطينية قبة فولاذية تبطل كل مفاعيل صواريخها الأخرى، سواء كانت أيديولوجية أو سياسية، وهناك فلسطينيون ليسوا من الساسة أو قادة الفصائل شعروا بأن أهم ما تحقق في هذا العدوان هو الوحدة الوطنية، وما جسده الوفد الفلسطيني من مختلف الفصائل أثناء وجوده في القاهرة. وعلينا أن لا ننسى بأن أحد أهم دوافع هذا العدوان على غزة هو رفض إسرائيل للمصالحة بين التوأمين فتح وحماس، ونذكر أن نتنياهو خيّر السيد محمود عباس بين السلام والمصالحة.
ومن يعرف ولو شيئاً يسيراً عن الذهنية السياسية لإسرائيل وجنرالاتها يدرك أن فلسفة التباطؤ والمماطلة لا تستهدف إلا شيئاً واحد هو إعادة فك الأصابع من القبضة الفلسطينية والعودة إلى ما قبل تموز عام 2014 لأنها تراهن على نظرية ما تسميه استبدال الأعداء، وإعادة ترتيب الأولويات، فالمطلوب تبعاً لهذه الاستراتيجية الخبيثة هو أن يكون القاتل والمقتول فلسطينيّين وأن تكون الهزيمة موزعة بين فصائل متناحرة.
ما نرجوه هو التنبه إلى هذه الاستراتيجية، وعدم الاستخفاف بها وعلى الفلسطينيين أن لا يلدغوا من الجحر ذاته للمرة الألف!