المواطن أغلى ما نملك؛ لحمه طيب!

 


 سافرت كثيراً الى بلاد الله الواسعة حتى أصبح يعرفني بواب الطائرة، والمضيفات، والشوفيير، والكونترول، وقاطع التذاكر، وحامل الأمتعة، وشرطي المطار؛ كانوا لا يدققون في هويتي وجنسيتي، ويؤدون لي التحية على شكل ختم أخضر اللون يضرب على جواز سفري، وعندما أسأله لماذا تعاملوننا هكذا نحن الأردنيون، فيقول لي لأن لحمكم طيب، فأصاب بدهشة لا أستطيع تفسيرها، وأغادر من أمامه والذهول يطبق بفكيه على رأسي؟!

أجلس في مطعم أنتظر وجبة الغداء، أو العشاء، فيأتيني النادل ليسألني عن طعامي المفضل، ليحضره لي، ويتجاوز حدوده معي قليلاً؛ من أين أنت، يبدو عليك من العرب، فأتفاخر وأقول؛ أنا أردني، فيضحك ساخراً؛ ها... أنتم الأردنيون أصحاب لحم طيب، فتعتريني قشعريرة تسري في جسدي كأنها نار مشتعلة، أو قذيفة مولوتوف تفجرت للتو في أحشائي، فأصمت لأنني غريب ولا يحق لي افتعال المشاكل في بلاد الغربة.

أدخل أحد المولات، للتبضع والتسوق والشراء، هناك متعة في التسوق؛ هكذا أسمع الأغنياء يقولون؛ نريد الذهاب الى فرنسا لعمل شوبينغ، وها أنا أعمل كما يعملون، نحن من هواة التقليد الأعمى، ولا نحفظ إلا ما يحفظون، ولا نفعل إلا ما يفعلون، ولا نتكلم إلا بما يتكلمون، ولا نردد كالببغاوات؛ إلا كما يرددون. أشتري ما تيسر لي ووفق موازنتي؛ ممكن يكون الشراء من باب التقليد كما أسلفت، فأحطم الميزانية بشراء زجاجة عطر من النوع الرديء الذي تنفر من رائحته الأموات، أو مخدة للنوم، لكنها لا تشبه المخدة التي سرقها أحد الشخصيات من فندق بالعقبة، وعند الحساب؛ يبتسم الكاشيير بوجهي، ويحترمني ويداعبني بسؤال بريء: يبدو عليك يا سيدي من الشرق الأوسط، فأجيبه بكل عنترية، وغرور، أنا أردني؛ لكنه يعاجلني بجواب بارد ثقيل الدم؛ ها... أنت من أصحاب اللحوم الطيبة، أنتم الأردنيون لحمكم طيب، فيبدو علي الإنفعال وأقرر أن أهاجمه كما هاجمني؛ أنت تسيء لي بإجابتك يا سيدي لماذا تقولون كلكم أننا لحمنا طيب. يقول ستعرف فيما بعد؟ ويتركني لحيرتي، بل يهملني ليهتم بغيري.

كنت أغضب كثيراً من نظرات البعض بالرغم من أنه لا يميزني علامات فارقة، لطشة مطوه، أو خبطة سكين، أو ضربة شومه، ويبدو أن الميزة الوحيدة التي تكشفني أمامهم أنني أردني أو عربي، أو شيء من هذا القبيل، وبعد فترة طويلة قررت العودة الى وطني لكنني وخلال انتظاري في المطار قررت أن أسأل السؤال الذي حيرني عدم الإجابة عليه، لماذا يقولون لنا نحن الأردنيون أن لحمنا طيب، وتجرأت على أحدهم وباغته بالإستفسار عن فحوى اللغز، فقال لي سأجيبك وأتركك تفكر جيداً ربما تعثر على ما غاب عن ذهنك، وأقول لك وأكرر أنتم لحمكم طيب ويمكنكم تلقي الإجابة من حكوماتكم، ومن ملكتكم، ومن أمرائكم، ومن تجاركم وسيقولون لكم كم لحمكم طيب بالنسبة لهم، ألستم أغلى ما يملكون في الأردن.

 

أجل أيها السادة؛ المواطن أغلى ما يملكون لأن لحمه طيب، ولا يوجد أطيب من لحمه في كل البلاد العربية.

لحمنا طيب عند التجار لأننا أغلى ما يملكون، ومن أين لهم شعباً ومواطناً كالمواطن الأردني يضحكون عليه، ويستهزئون به، ويبيعونه زبالة العالم فيأكلها هنيئاً مريئاً، ومن أين لهم مواطناً كالمواطن الأردني يسوقون عليه الهواء الذي تضخه ساعات المياه ليصبح فواتير قابلة للدفع أو الفصل، ومن أين لهم لحم أطيب من لحم المواطن الأردني الذي يأكله الأثرياء وكل مكونات النظام، والحكومات، والتجار، ويكون الطبق الرئيسي على مائدة اللئام.

لذلك رحم الله أمواتنا جميعاً وعلى رأسهم باني الوطن الحسين بن طلال الذي قال: المواطن أغلى ما نملك، وكان يعني ما يقول، لكنه للأسف لم يكن يعلم أن المواطن الذي كان يعتز به ويفاخر الدنيا بإنجازاته سيكون لحمه طيباً بعد وفاته، ورحيله عن الوطن، بفضل سماسرة اللحم الأردني الطيب.