محرقة غزة


شكراً ، لإسرائيل ، شكراً للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، شكراً لحكومة نتنياهو اليمينية العنصرية المتطرفة ، شكراً لهم ، فقد أيقظوا الوعي فينا ، بعد أن ضللته الأحداث والوقائع ، فجاءت الأحداث والوقائع البديلة الحقيقية ، كي تبدد الوهم ، وهم التعايش مع الإحتلال ومشروعه وأدواته ، وتقول لنا " إصحوا " لا مجال للتعايش ، لا مجال للتسوية ، لا مجال للقواسم المشتركة ، فالأغلبية الإسرائيلية ما زالت مع الخيار الإستعماري التوسعي ، مع معاقبة الشعب الفلسطيني ، ومع كل وسائل الدمار والخراب التي تربيه وتعلمه كي لا يرفع رأسه ، ولسان حال المستعمرين يقول " يكفي أننا نسمح لكم مواصلة العيش " ولكن من يتمرد ، من يرفض ، من يقاوم ، ولا يقبل الهزيمة والخنوع ، فنحن جاهزون ، وها هي تجارب الرصاص المصبوب ، وعمود السحاب ، والجرف الصامد ، سلسلة من الهجمات التأديبية كي يعرف الفلسطيني أين موقعه ومكانته ، تحت قيود العنصرية في مناطق 48 ، والحصار لقطاع غزة ، والإحتلال العسكري للضفة ، والتهويد والأسرلة للقدس ، وعدم العودة للاجئين المشردين عن فلسطين . 

شكراً لإسرائيل ، فقد صدمتنا للمرة تلو الأخرى ، فالجرف الصامد قام بالواجب ، واجب الوعي واليقظة ، بدأ يوم 8/7 بالقصف الجوي ، ويوم 17/7 بالإجتياح البري المحدود ، ولقشرة قطاع غزة بدون توغل ، وفي فجر الأربعاء 20/8 حاولوا إغتيال قائد القسام محمد ضيف ، ودعا نتنياهو ومعه يعلون إلى مؤتمر صحفي ظهر الأربعاء ، لإعلان حدث ما ، وكانوا يتوقعون إستشهاد محمد ضيف ، ولكن نجا بعد أن قُتلت زوجته وإبنته وإبنه ، وأكملوا يوم الخميس 21/8 ، بإغتيال القادة الثلاثة من كتائب القسام ، محمد أبو شمالة ، ورائد العطار ، ومحمد برهوم ، وهكذا بدأت المحطة الثالثة من عملية وحرب الجرف الصامد ، المتواصلة . 

سبق وأن كتبت وقلت ، خلال أيام الحرب أن أحد مظاهر فشل حرب الجرف الصامد ، عدم تمكن العدو الإسرائيلي من إغتيال قادة المقاومة ، كما فعلوها في الرصاص المصبوب 2008 حينما نجحوا في إغتيال سعيد صيام ونزار الريان ، وكما نجحوا في عمود السحاب 2012 في إغتيال أحمد الجعبري ، وسببّت ذلك ، إلى فشلهم الإستخباري ، وتمكن قادة المقاومة من التمويه والإختفاء ، أو لتصفيتهم لعيون العدو الإستخبارية . 

ولكن محاولة إغتيال محمد الضيف في تدمير منزله ، وإستشهاد قادة حماس الميدانيين الثلاثة ، تعكس تصميم العدو على مواصلة حربه لتحقيق إنجازات عملية ، تهدف إلى 1- رفع معنويات الإسرائيليين ، و2- هروب نتنياهو ويعلون وغينتس من إتهامات التقصير والفشل ، و3- ضرب معنويات شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة بشكل رئيسي ، ولكافة مكونات وشرائح الشعب العربي الفلسطيني ، فالمعركة غدت للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي حياة أو موت ، يريدون الحياة لأنفسهم ، والموت والدمار والهلاك لكل الفلسطينيين . 

إستشهاد القادة الثلاثة ليست خسارة لحركة حماس وقدراتها ، بل هي خسارة لكل حركة المقاومة بل ولكل مكونات وفصائل وقوى الشعب العربي الفلسطيني ، فلماذا يتم إعطاء العدو هذا الإنجاز ؟ لماذا التقصير ؟ وعدم اليقظة الكافية ! لقد سبق لجيش الإحتلال أن دمر مبنى كامل وقتل كل سكانه بهدف قتل صلاح شحادة ، فلماذا الإعتقاد القاتل أن الإحتلال لن يُقدم على تدمير مبنى عائلة الدلو في سبيل إغتيال محمد ضيف ، لماذا تغيب الحيطة والحذر ؟ ولماذا التساهل بحق النفس ؟ ومحاولة العيش الطبيعي ولو للحظة من قبل قادة المقاومة ، فهذه اللحظة الإنسانية ينتظرها العدو عبر طيرانه ومراقباته الإلكترونية المتطورة وقراراته الفاشية التي لا ترحم ، طفل أو إمرأة أو عائلة أو حتى حي بأكمله . 

لقد خبر أهل القطاع وقادتهم من الفصائل الفلسطينية معرفة العدو ووسائله وقرراته وهمجيته وعدوانيته الشرسة ، فلماذا التساهل الأمني مع النفس ؟ هذا التساهل كما يتعلمه المقاتلون في مدارس تعليم المتفجرات العسكرية ، الغلطة الأولى هي الأخيرة ولا تتكرر ، وها هو التساهل وعدم اليقظة أودت بحياة العديد من القادة الفلسطينيين ، وأخرهم قادة حماس الثلاثة ، وكادت تُصيب محمد الضيف بالأذى نفسه . 

لقد سبق لحركة فتح ، طليعة المقاومة ، أن دفعت أثماناً باهظة ، خارج فلسطين ، وداخل فلسطين بإغتيال العديد من قياداتها ، والجبهة الشعبية ، كانت بداية الإغتيالات معها بإستشهاد غسان كنفافي ، والجبهة الديمقراطية ، والجهاد الإسلامي بأمينها العام والعديد من قياداتها ، فالإغتيالات سلاح فتاك يجب تعطيله باليقظة والحرص ، فالخبرات المتراكمة بيد المقاتلين ، أحد أهم إنجازات المقاومة لمواصلة الطريق ، الذي لن يتوقف ، إطلاقاً ، إلا بدحر الإحتلال وهزيمة مشروعه الإستعماري التوسعي ، وإنتصار المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، بحق الدولة المستقلة المنشودة وفق القرار 181 ، وحق العودة وإستعادة الممتلكات وفق القرار 194 . 
h.faraneh@yahoo.com