البعد الاقتصادي لتعديل الدستور

 

توجيهات الملك للحكومة بتفعيل وزارة الدفاع واضحة في أهدافها فجلالته يريد أن تنتقل إدارة المؤسسات والشركات الاقتصادية والخدمية غير العسكرية من مظلة القوات المسلحة الى هذه الوزارة , التي ستخضع بدورها لاشراف ومتابعة حكومة ورقابة برلمانية .
هذه الخطوة فسرها رئيس الوزراء وإن كان لم يمنحها الاضاءة الكافية فبالاضافة الى إزالة أية تحفظات او تخوفات من تسييس القوات المسلحة وهو ما لم يحدث منذ كان الجيش العربي , سيتخلص الجيش من عبء إدارة إستثمارات كانت ولا تزال هدفا للنقد باعتبارها خارج ولاية الحكومة .
هذا لا يعني أن الدور الاقتصادي للقوات المسلحة لم يكن تجربة ناجحة , بل على العكس , فالمؤسسات والشركات الاقتصادية التي أنشئت لإدارة الاستثمارات هي مؤسسات ناجحة وتدار على أسس إقتصادية صرفة حتى أن المديرين ممن تعاقبوا على رئاستها كانوا ولا زالوا مدنيين , من شريحة نادي الأعمال من الخبراء والفنيين , لكن إبعاد الجيش كمدير لهذه المنشآت الاقتصادية يعادل في إيجابياته حمايته من التسييس .
بمجرد تفعيل وزارة الدفاع ستؤول الى ملاكها مؤسسات مهمة مثل الخدمات الطبية الملكية والمؤسسة الاستهلاكية العسكرية والمركز الجغرافي الملكي ومركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير « كادبي « الذي يمتلك ويدير نحو 11 شركة ومنطقة صناعية ومجمع الأعمال في دابوق الذي أصبح مقرا لفروع كبريات الشركات المحلية والعالمية, لتصبح نفقات وإيرادات كل هذه المؤسسات جزءا لا يتجزأ من موازنة الدولة وما يعنيه ذلك ولتخضع كل كوادرها الى نظام الخدمة المدنية .
دور الجيش في الاقتصاد مطلوب , إذ يخفف عن كاهل الدولة, بتوفير جزء من مطالب موازنة القوات المسلحة, لينفق ما توفر على خطط التنمية الشاملة خصوصا في الدول التي تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة لا تعجز فيها فحسب عن تمويل إحتياجات الأمن والدفاع والتطوير بل تعيقها ضيق ذات اليد عن تنفيذ مشاريع بنية تحتية خصوصا في مناطق نائية , لكن الخلاف في وجهات النظر كان دائما حول إدارة هذه المنشآت وحول تبعيتها ماليا وإداريا .
رغم الجدل حول دور الجيوش في الاقتصاد , حافظت القوات المسلحة الأردنية على خطوط إستثمار ملائمة لحاجاتها العسكرية ولها أثر في التنمية الاقتصادية في شقها المدني , ففي الجانب العسكري , تحول مركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير الى تصدير المنتجات العسكرية , وفي الشق المدني إستثمر الجيش مساحات معطلة من ملكيته للاراضي بمشاريع عقارية وتنموية مثل مجمع الأعمال وهي استثمارات ناجحة طالما أن إيراداتها تعين الموازنة على تمويل موازنة الدفاع التي لا نختلف على أهميتها خصوصا في ظل الظروف الراهنة.
تفرغ للقوات المسلحة لمهامها الأساسية لا يتعارض مع إستغلال الطاقات البشرية والفنية التي تمتلكها في أوقات السلم في بناء المدارس والطرق والجسورواستثمار الامكانيات التي تمتلكها لكن الفرق كما سيحدثه تفعيل وزارة الدفاع , 
هو في إدارة هذه الاستثمارات , التي يجب أن تبقى وتستمر وتنمى , طالما أن إيراداتها ستذهب لتمويل حاجات القوات المسلحة عبر الموازنة أو في مساندة إقتصاد البلد.
لا تقرأ هذه الخطوة فقط على أنها مجرد إناطة دور القوات المسلحة الاقتصادي بجهاز مدني مثل وزارة الدفاع أو وضع هذه الاستثمارات والعوائد تحت رقابة البرلمان , فالرقابة والمحاسبة حاضرة دائما في الأنظمة المشددة التي تتبعها القوات المسلحة إن كان في أسلوب الادارة للكوادر البشرية أو للموارد المالية , لكن الفكرة هي إعادة كل الجزر المستقلة بما فيها المؤسسات المستقلة التي أنشئت خلال السنوات الماضية الى ولاية جسد واحد هو الحكومة المركزية .