المعلمون ليسوا سماسرة ولا يتاجرون بالوطن والمواطن


إلى كل الذين يتهمون المعلمين ويتطاولون عليهم .... وإلى كل من سوّلت له نفسه الكيل بموازين مختلفة ورفع الصوت عاليا ً مندداً ومتحاملا على المعلمين ونقابتهم واتهموهم بالخيانة العظمى للوطن وبالمقامرة حتى وصل الأمر عند البعض أن يخرج عن مهنيته ويتجرد من أخلاقه وينصب نفسه قاضيا وحكما ويطالب بحل نقابة المعلمين ... ويكيل لهم التهم والشتائم بلا حسيب أو رقيب .إلى كل الذين جعلوا من المعلمين سبب دمار الوطن والمواطن وحصروا كل القضية في عنوان كبير : المعلمون يتاجرون بأبنائنا من أجل حفنة دنانير فقط . لا همّ للمعلم الا زيادةالراتب . ألى كل المتطاولين على ورثة الأنبياء ويتباكون على الوطن والمواطن ... كفاكم تسلقا على ظهور المعلمين وكفاكم تملّقاً ونفاقا . كفاكم تعاميا وتغطية للشمس بالغربال .
نقابة المعلمين التي تمثل أكثر من 100 الف موظف ومعلم اكثر الناس حرصا على الوطن وأمنه ومستقبل أبنائه وأكثر انتماء من كل المتسلقين والمرائين
وحين تقرر النقابة ممثلة بقطاع المعلمين الاضراب والاستمرار فيه فهي كانت قد أعطت الجهات المسؤولة الحكومية الوقت الكافي للنظر في مطالبها المشروعة والتي هي مطالب كل موظف في القطاع الحكومي وليس حكرا على موظفي التربية والتعليم .
هل فكّر أحد من المتطاولين والناعقين أن يكلف نفسه عناء البحث عن الأسباب الحقيقية لاصرار المعلمين على إضرابهم ؟ ولماذا حين يقرر المعلمون الاضراب تقوم الدنيا ولا تقعد ؟ أين هم هؤلاء المحاملون والمرائون لم نسمع لهم ضجيجا ولا صراخا حين قرر موظفو الكهرباء الآضراب واين كانوا من اضراب العاملين بالموانئ ؟ واين حرصهم على المواطن حين أضرب الأطباء والممرضين ؟
وأين هم تجّار الدين الذين يلوون النصوص ليّا ً ليحرّموا على المعلمين إضرابهم ؟
أليس للمعلمين أبناء ؟ أليس لهم إخوة واخوات على مقاعد الدراسة ؟ هل من عاقل يلحق الضرر بنفسه وبفلذة كبده وبأهل بيته ؟
من لم يعرف سبب اضراب المعلمين فعليه أن يعرف أن السبب الرئيس هو تعديلات نظام الخدمة المدنية لعام 2014 ،إن هذا النظام بدلا من أن ينصف الموظف عامة والمعلم خاصة نجده يسلبه أبسط حقوقه في مصادرة حق التعبير وإبداء الرأي ، بل تعدى هذا إلى حقوقه في الإجازات خاصة الإجازة المرضية فقد أبهرنا هذا المشرّع بالمادة ( 111 ) بفرعيها أ- يستحق الموظف إجازة مرضية لمدة لا تزيد على سبعة أيام مجتمعة أو متفرقة خلال السنة بناءً على تقرير من طبيب وزارة الصحة المعتمد وتحسم من رصيد إجازاته السنوية ما زاد على تلك المدة ، وفي حال استنفاد رصيد إجازاته السنوية تحسم من راتبه الاساسي وعلاواته.
‌ب- إذا زادت الإجازة المرضية على سبعة أيام متصلة فتعطى بناء على تقرير من اللجنة الطبية المختصة، و تنزل الإجازة المرضية في هذه الحالة من الإجازة السنوية للموظف ، وفي حال استنفاد رصيد إجازاته السنوية تحسم من راتبه الاساسي وعلاواته. وفي المادة ( 115 ): يحرم الموظف من راتبه الاساسي وعلاواته بقرار من الوزير عن المدة التي يتغيب خلالها عن العمل بسبب مرض أو إصابة، وذلك إذا نشأ المرض أو حدثت الإصابة بسبب خطأ ارتكبه أو تقصير منه.
برأيكم من الذي يقرر أن الإصابة بالمرض جاء تقصيرا من الموظف ؟ كيف لو أصيب الموظف أو المعلم - لا قدّر الله - بفيروس " كورونا " المنتشر هذه الأيام ؟ هل الإصابة به ستكون إهمالا أم تقصيرا بنظر المشّرع ؟ وماذا لو تعّرض لحادث سير ؟ بالتأكيد سيكون الحق على الموظف أو المعلم ؛ لأنه كان يسير على الرصيف فأعاق حركة مرور السيارات ؟
أي مجزرة ترتكبها الحكومة بحق موظفيها ومعلميها حين تجعل مكافأة براءة الاختراع " عشرة دنانير " كحدً أقصى بينما تجعل مكافأة المطالبة بالحقوق وإبداء الرأي الحسم والخصم والعزل وفقدان الوظيفة ؟
كما جاء في المادة ( 68 ) :يحظر على الموظف وتحت طائلة المسؤولية التأديبية الإقدام على أي من الأعمال التالية:-
‌أ- ترك العمل أو التوقف عنه دون إذن مسبق.
‌ج- استغلال وظيفته لخدمة أغراض أو أهداف أو مصالح حزبية أو القيام أو الاشتراك في أي مظاهرة أو إضراب أو اعتصام أو التحريض عليها أو أي عمل يمس بأمن الدولة ومصالحها، أو يضر أو يعطل مصالح المواطنين والمجتمع والدولة.
ح - الكتابة أو الادلاء بتصريح لدى وسائل الاعلام بأجر أو بدون أجر دون موافقة مسبقة من الوزير.
أمام هذا الكم الكبير من المواد التي تبناها نظام الخدمة المدنية الجديد من حظر على المعلمين من حق التظاهر أو الاعتصام أو الإضراب هل ستلجأ الحكومة إلى الالتزام بتنفيذ القوانين وتقوم بعملها على أكمل وجه فتطلب من رؤساء الدوائر ومديري المدارس تزويدها بأسماء المضربين ليصار إلى عزلهم بعد مرور خمسة أيام أم ستلجأ إلى أسلوب التدرج بالعقوبات متجاوزين عقوبة التنبيه والانذار إلى عقوبات الحسم المادي ؟
وهل سأل أحد نفسه أليس من حق المعلمين معرفة مصير 300 مليون دينار تبخّرت من مدخراتهم ولا يوجد سند أو ورقة تبيّن أين تبخّر أو انفق هذا المبلغ الخيالي ؟ هل تحويل الملف إلى مكافحة الفساد ومتابعته من قبل النقابة أمر محّرم ؟ أم جريمة لا تغتفر ؟
وهل عدم تحسين شروط التأمين الصحي للمعلمين كفر وزندقة ؟ تستوجب التجييش واعلان الحرب الضروس على المعلمين ونقابتهم ؟
وما الضير في أن يطالب المعلمون بتحسين رواتبهم وظروفهم المادية في ظل أحوال اقتصادية صعبة ؟ وعلى الجميع أن يميّز بين الراتب الأساسي واجمالي الراتب لوظف الحكومة .
فلنكن صرحاء ... تلك الحقيقة والمريض القلب تجرحه الحقيقة.