فلسفة الهدم والبناء.. من يحكمها ..؟

نتابع حالة الجنون التي عمت وطننا العربي، فتصدمنا فوضى السلاح والقدرة على توجيهه بجرأة وبلا مسؤولية، ونتوقف عند سؤال واحد مخيف : هل للهدم فلسفة وفكر ؟. من الذي يشرع للهدم ومن الذي يفلسف لحملة السلاح شرعية الهدم الجماعي وهدم الدول والمؤسسات ؟. ومن الذي يجيز القتل بهذه الصورة المرعبة والتي لم تمر بتاريخنا من قبل ؟. عشرات الأسئلة الفاجعة تتوارد على ذهن المواطن العربي الذي ما بات يقدر على التمييز والفرز ، فقد خنقته الأحداث وصادرت بوصلته، كنا نصرخ عندما تقوم إسرائيل بعدوان على أي شبر عربي، كنا نعرف العدو وندين القتل والتدمير، واليوم تدمر اليد العربية دول العرب ومؤسسات العرب وجغرافية العرب وتجز رؤوس العرب .. فكيف يميز المواطن العربي بين الحلال والحرام ؟. بين المواطنة والخيانة ؟. والسؤال المؤرق الذي يحاصرنا من كل جهات الأرض : هل الهدم ثورة ؟. من يجوز له أن يهدم وما هي الشرعية التي تجيز الهدم والخراب ؟. ما هي معايير الثورة وما الفارق بينها وبين عقلية الانقلابات ؟. أين الفكر الذي يحكم كل هذا الذي يجري ؟. أي فكر لفرد يحرك جماعات لا تملك بوصلة الفكر الجماعي، تفرض التسلط والقتل والخراب، من يهدم ومن يبني ؟.
إن كنا نحن الذين نملك المقدرة على تقييم ما نراه بحكم الاطلاع والسن، نشعر بالعجز عن التمييز والفهم، فما الذي نتوقعه من الأجيال الصغيرة التي باتت تلوذ بالأجهزة اللوحية وبرامج الانترنت الجاذبة والتي تجعلهم يهربون من الخراب الذي يدور على شاشات العرب إلى نعمة المسلسلات التركية والموسيقى التي تهدئ أعصابهم العربية المرتبكة بجنون العرب ؟. هل نلومهم إن هربوا عنا وعن عالم القتل الذي نقحمهم فيه إلى عالم افتراضي جميل ؟.
هل للهدم فلسفة ؟. من هو صاحبها يا عرب .؟. أنتم أم شياطين الشر الذين انطلقوا بلا رادع ؟. وهل للبناء فلسفة ومن يرسخها وينقذ الصغار من جنون الهدم والخراب ؟. تستطيعون إعادة بناء بيوتكم الفارهة وغير الفارهة، تستطيعون شراء سيارات كثيرة وحديثة بدلا عن السيارات التي تحرق وتطحن في هذا الجنون، ولكن من يعيد بناء النفوس يا ترى ؟. من يجبر خواطر الصغار الذين هجروا وشردوا وقتلت عائلاتهم ؟. هيئة الأمم أم أموال النفط ؟. كل المؤسسات العربية والعالمية لن تقدر على إعادة الثقة للصغار الذين أفقدتموهم طفولتهم وفرحهم، إنهم لا يريدون تبرعات وأموال من الجهات المانحة، يريدون أوطانا عربية آمنة يسودها القانون والعدل والفرح وينعمون بمدارس هادئة تعلمهم الفكر وتربيهم .. لن ينسوا أبدا أبدا أنكم صادرتم فرح الجيل وأمنه، وأسألكم من سيبني النفوس ويجبر الخواطر التي كسرتها حالات الجنون ؟.
أي وزارات للتعليم وأي مناهج وأي مؤسسات تربوية تجرؤ على التفكير بما يكون عليه مستقبل الجيل الذي يقعد اليوم على مقاعد الدراسة ؟. أين الثقة في جيل الكبار الذي دمر وهدم .. ومن سيبني القادم لهذا الجيل المنكوب في بلاد العرب ؟. فقط أسألكم كيف سيحب الصغار هؤلاء الآباء الذين يجزون الرؤوس ويروعون الناس وتقطر الدماء من ثيابهم ؟. كيف سيحبكم أطفالكم ؟.