معارك برلمانية الحلقة الرابعة : د احمد عويدي العبادي

 

كيفية إدارة الحملة الانتخابية عام 1989

 أخبار البلد - بعد إحالتي على التقاعد، خضعت لتجويع مريع أنا وأولادي , وضاقت الدنيا عليّ بما رَحُبت، وحُرِمت من تحصيل القرش الحلال ولا أقبل غيره لتأمين  لقمة عيش أطفالي , وأن أكبرهم بلغ حينها ثلاث سنوات وبضعة أشهر  (وهو: البِشْر ومن بعده ولدي نميّ ومن ثم بنتي العرين على التوالي) ...وقد وجدت الحكمة التالية مناسبة في هذا المقام : ( من تمام النعمة عليك : ان يرزقك مايكفيك , ويمنعك مما يطغيك ).

كان ممنوعاً عليّ العمل في الجامعات بالأردن إلا نزراً يسيراً من محاضرات «غير متفرغ»,  لا تُسمن ولا تغني من جوع. كنت أحتاج لتوفير رغيف  الخبز والطعام لأطفالي بالكاد ، ولا أقول الملابس والعيش الرغيد، لأن الرفاهية كانت في حينه ولا زالت مقصورة على أبناء الذوات من المرتزقة والمقاطيع والغرباء  الذين يسبحون في دماء الشعب ويلعبون الكرة بجماجم الأردنيين ,   ويرتدون ملابس السباحة من جلودنا .

الفاسدون والمستبدون والغرباء والمرتزقة والمقاطيع واللصوص , كلهم مدرسة واحدة، وإن اختلفت مشاربهم ومضاربهم وألسنتهم وعقائدهم ، كلهم فئة واحدة وإن اختلفت ملابسهم ؛ كلهم نسيج واحد وإن تباينت مصادره، وطريقة نسجه , كلهم جوقة واحدة وان تعدت أدوات العزف والنقر والجر والقر والحر , كلهم  يحملون هدفاً واحداً وإن اختلفت طرقهم إلى تحقيق ذلك الهدف. ألا وهو إبعادنا من المعادلة، وتبخيس مؤهلاتنا، واحتقارنا، وأن تقتصر المناصب والمنافع عليهم وعلى أولادهم وبناتهم.إنهم مثلث الغم وتوريث الغم لنا وتوريث البطر لهم , فهم في نعيم مقيم على حساب الشقاء المقيم الذي يحل بنا على أيديهم التي لا تنطلق إلا بالنهب والقمع والأذى لنا وعلينا ..

وعندما طلبت إليّ جامعة اليرموك تدريس مواد غير متفرغ/ تقع ضمن اختصاصي، ثم استدعائي للمخابرات للتحقيق معي على أني عميل لحزب البعث العربي الاشتراكي السوري (!؟!!؟؟؟)  وعندما طلبت من الضابط المحقق وكان برتبة عقيد , اقول عندما طلبت منه دليلاً واحدا فقط أو شيئا خطيا أو صورة الانتساب أو أي دليل مهما كان ، خجل واعترف بالخطأ , وأنحى علنا  باللائمة على ضابط  برتبة عميد يكرهني شخصيا بسبب تباين الجينات الوطنية والذي صار فيما بعد سفيرا لنا  في دولة عربية وكان مثال السفير الفاشل . انه المزاج الشخصي والكره الذي يتم فيه إيذاء أبناء عباد الله وتحويلهم من موالاة إلى معارضة ومن ثم إلى ماهو اكبر واخطر من ذلك , ولست الأول ولن أكون الأخير في هذا السياق .  وكان الذي حقق معي من رتبة تقاعدي ( أي عقيد ) ، أما أنا ففهمت الرسالة، ليقال إنه لا حركة لي ولا حياة إلا بموافقة المخابرات التي كان يرأسها آنذاك مدير يحقد على جيناتي البدوية والعشائرية  (؟!؟!).ولم أكن حزبيا ذات يوم في حياتي أبدا  ولم أزر سوريا منذ عام 1969 ( أي قبل حوالي عشرين سنة من التحقيق معي  ) . عندما كنت عابرا إياها إلى لبنان لأداء امتحاناتي في جامعة بيروت العربية عام 1970 .

وعندما ضاقت بي الأرض بما رحبت وسدت السبل أمامي في بلدي التي أحبها واعشق ثراها وشدة الملاحقة الأمنية من كل المخابرات بأمر مديرها , والأمن الوقائي بأمر مدير الأمن العام وكلا المديرين في حينه وثالثهم كبيرهم الذي علمهم السحر رئيس الوزراء كانوا ضدي علنا وكنت أقاومهم بلساني  وقلمي علنا, وجدت أبنائي يتضورون جوعا أمامي وليس لهم من فرحة الأطفال نصيب من لباس وحلوى وعيد ورحلات وألعاب , كانوا محرومين من هذا كله, ويبكون وهم يرون أبناء الجيران ينعمون بأبسط الأشياء وهم محرومون منها , وعندما رأيت أن هذه حياة طويلة , ولا يمكن لي أن أبقى في شظف العيش وأنا قادر على العيش الكريم ,   وجدت نفسي مضطرا للبحث  عن لقمة العيش الكريمة خارج الوطن بعد حرماني منها بقرار سياسي وامني في داخل الوطن  بعد التقاعد  .  وراسلت عدداً من الجامعات الخليجية للعمل هناك والتدريس فيها، وما أن يتم الترحيب والقبول والموافقة من الجامعات الخليجية  حتى يلحقها كتاب آخر من الجامعات  نفسها يتضمن الاعتذار...   وعندما تكرر الأمر عدة مرات , توقعت ومن خلال خبرتي الأمنية , أن الأجهزة الأمنية على الخط وأنها تخرب ما أريد  تعميره ,  ولا بد أن  أصحاب القرار في الأجهزة الأمنية بالأردن في حينه،والذين كانوا يناصبوني أشدّ العداوة بل العداوة الظالمة الجائرة الحاقدة والشديدة جداً جداً، يراقبون بريدي ويصوّرونه ثم يتصلون مع أجهزة أمن تلك البلدان التي فيها الجامعات ,  يحذّرونهم من قبولي بجامعات بلدانهم , على أنني رجل خطير , ثم يقوم اؤلئك بدورهم  بالإيعاز للجامعات  في بلدانهم للاعتذار.

تخيّلت من خلال خبرتي الأمنية أن مدراء الأجهزة هنا , ربما يحذّرون من أنني أشكل خطراً على أمن وجامعات البلدان والجامعات والجامعة التي تقيلني، وما أنا إلا أردني فقير المال غني الفكر، غلبان أريد العيش، وتوفيره لأطفالي، وأريد الهروب من السياسة ومن الاضطهاد الأمني والسياسي والفكري , المفروض ضدي وعليّ في بلدي .  منذ مطلع عام  1983 ( إلى الآن 2011 ) ، ممن تتعدد ولاءاتهم وانتماءاتهم الترابية (الوطن) والسياسية  والشخصية.

وهكذا جعت حقاً  وجاع أولادي جوعا حقيقيا للخبز والحياة , ولم نجد الخبز ولا ثمن كيلو الخبز الذي كان لا يتجاوز المائة فلس أردني . وهكذا حاربوني  ولم أجد من يحميني سوى الله سبحانه وتعالى، وهكذا لاحقوني، فقط لأنني أقول كلمة الحق وأحب الأردن، وأرفض ما يسيء إلى الأردن والأردنيين.... وأرفض السجود لغير الله، وأربأ بنفسي أن أسبِّح بحمد الطواغيت.

     كان مجموع ما أتقاضاه من راتبي التقاعدي لا يتجاوز 36 دينارا , ويذهب الباقي حسميات للإسكان وللديون , ولم يكن لدي بيت اسكنه وإنما سكنت في بيت والدي عليه رحمة الله وتكفل والداي عليهما رحمة الله بنفقتي ونفقة أطفالي الأربعة المتواضعة  , وكانت أمي الفاضلة واسمها رفعة الطواهية عليها رحمة الله تشتري ملابس لأطفالي ولكن لم يكن لديها ما يغطي حاجتهم دائما , وكان البرد يأخذ منهم كل مأخذ لقلة التدفئة والملابس المناسبة , إذ لم أجد ثمن الكاز والغاز .  ومع هذا فالمسئولين لا يرحمون , وهم لابد وكانوا يعرفون حاجتي وجوعي ولكنهم يريدون لي ولأولادي الموت والدمار , ولم يتركوا بابا أمامي سوى باب المقاومة والتحدي وهم يحسبون أنني سأستسلم  , لان باب الحوار مرفوض عندهم , وعقولهم خواء من الفهم , وقلوبهم خالية من الرحمة ليس ضدي فحسب بل أيضا ضد أطفالي الجياع العراة ؟ هل يصدق القاري والتاريخ  ذلك ؟ هذه حقيقة ولكنني من بيت مستور ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) , أما اؤلئك الذين لا رحمة في قلوبهم فهم يعيشون حياة البطر على حساب فقرنا ومصادرة وسيلة العيش لدينا  . وكل هذا اثر في مواقفي البرلمانية وخطاباتي فيما بعد .

     وقد رزقني الله زوجة طيبة صبورة مكافحة عاشت معي مر الحياة وبقيت صامدة تشد من أزري إنها السيدة جميلة عبد الحليم الطواهية ( أم البشر ابنة خالي وأم عيالي  ) . وكان هذا التجويع محاولة من الزمر الخرقاء لتركيعي ولكن أبى الله أن اركع لأحد سواه  . وكانت زوجي تقف إلى جانبي دائما فشدت من أزري على صغر سنها وقليل تجربتها, وكانت براءة أطفالي تعطيني مزيدا من الطاقة والعزم والتصميم أيضا, وجوعهم يجعلني أكثر إصرارا على المقاومة وتطلعا للنصر بإذن الله, وجوع أولادي يجعلني أكثر عزما وتحديا.

         وقد يتصور القارئ أنني كنت أسكت أو أجامل، أمام هذه المضايقات في لقمة العيش , والحقيقة عكس ذلك تماماً، كان ردّ فعلي  جريئاً جداً يخلو من أي احترام  حيالهم أو مهابتهم،  ولم تكن لديهم الجرأة أن يفعلوا شيئاً في حينه، أو يواجهونني في أية معركة، وإنما كانوا  يعملون من وراء الكواليس كطيور البوم التي لا تبصر إلا في حلكة الظلام. وكالخفاش الذي يؤثر المغائر المليئة بديدان البق والقمل والبراغيث على شعاع الشمس ,  يعملون بالدسائس الخسيسة، وتركوا قضايا الأمن الوطني الهامة، واعتبروني أهم قضية، وأخطر قضية، ضد الوطن ونظامه وأمنه وشعبه والحكومة فيه ,  لأنني أردني وأدافع عن بلدي وشعبي. هكذا عانيت من أجل قضيتي الأردنية. أما حملات التشويه ضدي والإشاعات والافتراءات فحدِّث عنها ولا حرج. وتخيَّل منها ما شاء لك الهوى أن تتخيَّل , فان ماكان منها يفوق خيال الأفلام الهندية والأميركية .

لقد كان أصحاب القرار في الأجهزة الأمنية في حينه حتى أواخر 1989 ، قد استمروا مدة طويلة كلّ على رأس الجهاز الذي أُبتلي (بضم الهمزة) به، وقد شكلوا مجموعة تنسيق من الجهازين الأمنيّين وظيفتها مراقبتي ومتابعتي بدقّة وعن كثب ,  على أنني أخطر شخص بالأردن , رغم أنني فقير من المال وغني بالفكر، غلبان جائع للخبز والحرية معا , وأرفض الشبع من مال الحرام. وقد تناهى إليّ أن الفريق المكلف بمراقبتي كان يتألف من ضابطين من المقاطيع، ضابط كبير من كل جهاز وتنابلة الخسيسة، وكوفئ كلاهما بمراتب عليا. يساعدهم بعض عبيد النخاسة ( في حينه ) . فقد صار كل منهم باشا في  الأمن والمخابرات على التوالي مكافأة لهم على مراقبة احمد عويدي العبادي

ولكن ذلك كان يصلني في حينه وباستمرار رغم أنني كنت متقاعداً أناضل من أجل الوجود والبقاء  والاستمرار ولقمة العيش... فمثلما كان يهمهم إنهاء بقائي،كنت وعدد من الوطنيين في الأجهزة يهمهم استمراري وبقائي. كنت مدركاً أن مهمتي ورسالتي في الحياة قد بدأت الآن بعد إحالتي على  التقاعد ، ولم تنته أمس  عندما جرت إحالتي ، وأن هؤلاء يشرفون على التلاشي. ولكنهم كانوا يعتقدون أن مهمتي ورسالتي وشخصيتي انتهت الآن  - أي بإحالتي على التقاعد . وأنني ألفط أنفاسي الأخيرة , ولكن الزمن والأحداث أثبتت أن وجهة نظري كانت هي الصواب= وهي  أنني بدأت بعد التقاعد الآن ,  ولم أكن انتهيت كما تمنوا واعتقدوا , فقد دخلت فسحة الحياة، وبقوا هم قيد حجر الظلام ومعاقل الظلم التي آلت إلى هدم وزوال فيما بعد.وسويت بالأرض قاعا صفصفا . لقد هدمتها أصوات المعذبين في دهاليزها قبل أن يعمل فيه معول الهدم عمله.

كان التحذير من المخلصين لي  يصلني سلفاً عن الكمائن المنصوبة ضدي بترتيب الثنائي / شعبة الأمن والمخابرات المكرسة لمراقبتي ,  ومؤامرات محاولات وضع  الأسلحة والمخدرات والمنشورات في سيارتي عندما تقف في مكان ما أو المبيت في بيتي ، أو مؤامرات النساء، وكنت أتجنب المكان والزمان في كل مرة ,  فينتظر الكمين ولا يجد أحمد العويدي العبادي , ويبحث الكمين الجاهز عني  ولا يعثر علي .. فخابت ظنونهم على الدوام والحمد لله, وانقلبوا خائبين خاسرين, حيث أعود إلى بيتي المتواضع ويعودون إلى دهاليزهم الوضيعة.أحاول مداعبة أبنائي  الأطفال  الأبرياء الذين لا يعرفون معاناتي , ويقومون هم بتعذيب الأبرياء المكبلين  بحجة الدفاع عن البلد والنظام .

إنني لازلت مديناً لهؤلاء الضباط والأفراد  الوطنيين المخلصين المحترمين , الذين أبت عليهم أردنيتهم ووطنيتهم وشهامتهم وعروبتهم أن أكون فريسة لمجموعة انكشارية وبرمكية يحقدون على الضاد والناطقين بها. وعلى «الأردنية» ومن ينادي بها , فقام هؤلاء النشامى بتزويدي بالمخططات حال تكليفهم بها فأتجنب الكمائن وتتحول أعمال الانكشاريين حسرة ووبالا عليهم ... إنني على يقين أن هؤلاء النشامى  الأردنيين المتجذرين , والذين صاروا جميعا إلى التقاعد ومنهم في ذمة الله سبحانه ,  لم  ولن  يندموا على مساعدتهم وتحذيرهم لي،وإنني على يقين أن مدراء الأجهزة (في حينه) قد ولّوا هرباً يجرّون أذيال الخيبة في كل مرة وهم لا يدرون أن مخططاتهم لم ترق للوطنيين الشرفاء الشجعان آنذاك المكلفين بها من أبناء العشائر النجباء ,  ولا يدرون ما الذي كان ويحدث، ولماذا كان أحمد عويدي العبادي يسلم  من الكمائن والمؤامرات في كل مرة في كل مرة؟!..   وكل ذلك اثر على مواقفي السياسية والبرلمانية حيال الفئتين فيما بعد  .

          وقد أطيح بالمديرين ومطاياهم  والسم الناقع  باق في رؤوسهم وأنيابهم، ولم يفرغوه  في  جسد د. أحمد عويدي العبادي  , وإنما في أجساد ذاتهم، والحمد لله: ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) .  وطوال سنتين ونصف من التقاعد(آذار 1987- تشرين الثاني 1989) أمضيتها بالتأليف والترجمة والإنجاز العلمي، كنت وهاتفي وبيتي وسيارتي وأسرتي خاضعين جميعاً للمراقبة الشديدة المشددة والمتابعة الحثيثة. وكما قلت قبل قليل بإشراف وإدارة فريق من المقاطيع وعبيد النخاسة والتعاسة والخساسة ( من الجهازين في حينه ) ,  وكان يتم استدعاء أي شخص يهاتفني أو يتصل بي إذا تحدث ما يثير حفيظة آو ريب مثلث الغم والانكشاريين والبرامكة، وبخاصة من طلاب الجامعة، أو أبناء الجهاز الذي خدمت فيه قرابة ربع قرن من الزمن. أي أفنيت فيه زهرة شبابي.

كانت هناك وحدة خاصة للحرب النفسية وإطلاق أسوأ  الإشاعات والدعايات ضدي  لاغتيال شخصيتي ولكي ينفر الناس مني ويتقززون , وضخموني عدوا لمن لست له عدو , واعتبروا اسمي فزاعة وعلاقة لكل أخطائهم وخطاياهم ورذالتهم ونذالتهم  , كانوا  يطلقون عليّ أسوأ العبارات والاتهامات والإشاعات الكاذبة والكلمات والنعوت، في موجات متتابعة منظمة مدروسة مبرمجة , وكرسوا قسطاً كبيراً من جهد وأموال ومخصصات الأجهزة الأمنية  من الأمن والمخابرات  لهذه الغاية. ويوهمون الطلاب والناس وذوي القربى الذين ينادونهم للتحقيق , أنني أخطر شخص في الأردن , وأن التعامل معي يعني: تدمير مستقبل من يتعامل معي وطلبه المستمر للتحقيق  بجريمة "الجنون" و "التهور" و"الثورة" و "العنف" و "الصلافة": ضد أمن الوطن والنظام  والحكومة، لا بل وضد الشعب والدولة، وضد.. وضد... الخ وضدّ الإسلام؛,رغم أنني مسلم متدين، لا أشرب الخمر ولا ألعب الورق، ولا أصطحب أمي أو زوجي إلى حفلة مشتركة أو صاخبة أو مجهولة , ولا أتبادل المفاتيح , ولا أرسل زوجي لتسهر مع مسئول أو تقدم له شرابا أو طعاما  ,  ولا اقطع فرضاً، وأصوم الاثنين والخميس،وأدّيت الحج والعمرة مرات عديدة. كانوا يلصقون جميع السلبيات واللا أخلاقيات التي يمارسونها، أقول يلصقونها  بي .       ومع هذا كله فإن من لا يهتم بالإسلام لا يتوانى عن الطعن بي,  في أنني لست والإسلام على خط واحد (؟!؟؟)  ومن يتخذ الأردن رحما مستعارا ,  أو بقرة حلوبا  , لا يتوانى عن اتهامي بعداوة الأردن، لأنني أرفض منهجه هذا . فالأردن بالنسبة لهؤلاء مزرعة خاصة بهم , ولا مكان لنا بها , وهو أمر مرفوض أصلا .    لقد كان هذا حالي منذ 20/3/1987==5/11/1989 عندما أصبحت عضواً في مجلس النواب الحادي عشر بالأردن

وبعد نجاحي نائبا ,  طاب الموت أو جاك الموت يا تارك الصلاة، كما يقول المثل الأردني القديم. لقد طاب الموت وجاءهم الموت، ووصلت  لمجلس النواب وسقطوا والحمد لله  وتمرغت أنوفهم  في التراب... وثبت لهم أنني بدأت الآن وما انتهيت كما يقولون. وأن الدنيا فتحت أبوابها لي، وأن بيوتهم قد أُوصدت عليهم.

كنت أتظاهر أن لا علم لي بهذه المؤامرات، وخاب رجاء الانكشاريين ومثلث الغم  والبرامكة، وأعداء الضاد والحاقدون على الدم العربي وعلى الجينات الأردنية ، فلم يكن لدي من السوء ما يساعدهم على جزّ عنقي أو إيقاعي بأية ورطة مهما كان حجمها، أما هم فكانوا غارقين في الأخطاء والخطايا والرزايا والخزايا  إلى ما فوق يوافيخهم ، والفرق  بيني وبينهم أنهم كانوا يجدون تغطية وحماية رسمية لفسادهم، على أنه نمط من الواجب ومستلزمات الوظيفة والوطنية والرقيّ. وكنت أجد حرباً حكومياً على نزاهتي ورجولتي ووطنيتي . على أنها نوع من المشاغبة غير المسئولة والعبثية والفساد غير المسبوق؟!؟ لقد كنت هدفا لصيّادين على أعينهم غشاوة. وجلادين اجبن من أن يمارسوا الجلد إلا من عبيد النخاسة , وفاسدين يجاهرون بفسادهم انه سلوك حضاري .

لقد كان رضا الله علي,  ورضا والدي,  ونعمة الله علي عظيمة، فقد أنجاني الله من هؤلاء وشرورهم، وذهبوا مردودين إلى الحافرة. لقد كنت أتحدث أحياناً بلغة عربية فصيحة أو بدوية مليحة , يتعذر على ذوي اللسان  المعوج , أو البرمكي المحتج  , أن يفهموها , ويستحيل على التنابلة والمرتزقة إدراكها ، وعلى السكارى واللصوص استيعابها , إلا بطلب تفسيرها ممن يجري الدم الحرّ العربي الأردني الأبي في عروقهم،وهؤلاء كانوا يريدون لي الخير،  وكانوا يساندونني وهم جنود الله الذين سخرهم الله للدفاع عني. جزاهم الله عني كل خير، أمين. والحمد لله رب العالمين.

ومن ضمن مراسلاتي للجامعات الخليجية، أرسل أستاذان كريمان مشهوران توصيات كريمة لإحدى الجامعات الخليجية بناء على طلبها وزوّداني بهما واحتفظت بهما.. كانت التوصية الأولى من المرحوم الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري، والثانية من الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة وجاء فيهما: رسالة تعريف من الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري  (بحق د. أحمد عويدي العبادي). رسالة تعريف مقدمة إلى جامعة (...)

أعرفه باحثاً جاداً ،كاتباً غزير الإنتاج ركز أبحاثه على دراسة البدو من ناحية اجتماعية وثقافية وعرفية إضافة إلى العناية بأنسابهم. كما عني بدراسة شاملة تتناول البلدان والمجتمع والمناحي السكانية.

هذا بالإضافة إلى عناية الدكتور العبادي بترجمة ونقل ما كتبه الرحالة عن الأردن. وللدكتور أحمد عويدي العبادي مجموعة طيبة من المؤلفات مثل: عدالة البدو (رسالة دكتوراه، كمبردج 1989) مقدمة لدراسة العشائر الأردنية عمان 1984، من الأدلة القضائية عن البدو عمان 1983، من القيم والآداب البدوية، عمان 1967 ... أزكي الدكتور أحمد عويدي العبادي وأوصي به خيراً. اسم المعرِّف د. عبد العزيز الدوري

استمارة تعريف مقدمة إلى جامعة (...). بشأن: توصية بخصوص شغل وظيفة عضو هيئة تدريس. الاسم: الدكتور أحمد صالح سليمان عويدي العبادي.

بصدد معرفتي بالدكتور أحمد صالح سليمان عويدي العبادي إلى أنه شاب ألمعي من عشائر عباد وهي من عشائر بدو الوسط في شرق الأردن وإلى اتصاله المستمر بالجامعة الأردنية حيث يعتبر من رواد قاعة المراجع بالمكتبة، وذلك كونه شقيق الأستاذ الدكتور عبد الله عويدي العبادي.

وأنني أعلم أن الدكتور أحمد قد عمل بالأمن العام الأردني وتقاعد عن رتبة عقيد وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كمبردج، ويعتبر متخصصاً بالشؤون البدوية بعامة والتراثية الأردنية بخاصّة فقد كان موضوع رسالة الدكتوراه كما أعلم القضاء العشائري بالأردن من عام 1921 - 1982 .

وللدكتور أحمد نشاط  ثقافي واسع في مجال تخصصه، فقد نشر عدداً كبيراً من الكتب والمقالات، فضلاً عن إعداده الكبير من البرامج الإذاعية وبرامج  التلفزيون وله مسلسلات في التلفزيون معروفة منها: «وضحا وابن عجلان» التي لاقت رواجاً كبيراً، وكذلك فقد عمل عدداً من السنوات رئيساً لتحرير مجلة الشرطة الأردنية وينشر مقالاً دورياً في كل أسبوع تقريباً في جريدة الرأي الأردنية. وإلى جانب نشاطه الصحفي هذا فإن الدكتور أحمد شاعر بالفصيح والشعبي.

وإلى جانب هذا النشاط المرموق فقد درّس الدكتور أحمد في الجامعة الأردنية وكليات المجتمع في عمان باعتباره محاضراً غير متفرغ ويسرني أن أوصي بأن يشغل وظيفة عضو هيئة تدريس في جامعتكم الزاهرة. مقدمة من الدكتور عبد الكريم خليفة  ضاقت فَلَمَّا استحكمت حلقاتها

كان لا بد من  تجاوز عملية ومراقبة بريدي , وان أحقق اختراقا يؤدي بي إلى الوظيفة الكريمة في الخارج وقد تحاملت علي الدولة بالأردن لتخرجني من ثيابي وكرامتي . ساعدني في ذلك خبرتي الأمنيّة؛ وأن أحقق ما أريد خارج دوائر تربصهم بي؛ ومراقبتهم لي ,  فلا بُدَّ من الحصول على عمل في دولة خليجية، حيث كانت رواتبهم عالية، مقارنة بما كانت عليه في الأردن، وحيث أن الأبواب مغلقة أمامي في بلدي الذي أحبه وأعاني بسبب حبي له وبسبب حبي لأبناء بلدي ,  فلا بد لي  من البحث عن مخرج، " ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) .

وانتهزت فرصة وصول أحد أشراف الحجاز مرسلاً من المغفور له الشريف بندر بن محمد بن فوزان الحارثي (توفي عام 2003 ودفن بمكة المكرمة)،وهو صديق عزيز منذ عام 1980 وتوطدت علاقاتنا أثناء مراسلاتي بخصوص نقاط تتعلق ببحثي لرسالة الدكتوراه من  جهة.وبخصوص مشجرة نسبي  الذي تنتهي بقرابة النسب والدم معه من جهة أخرى، ورجوته أن يرتب لي أمر قبول للعمل في إحدى الجامعات بالسعودية أو الخليجية، وأن أرسل إليه أوراقي بعيداً عن البريد والرقابة وكان ذلك من خلال أحد الأشراف العبادلة الذي كان  حضر من طرفه؛  إلى عمان لقضاء إجازته وبرفقته  أولاده، والذي أدى المهمة على خير ما يرام، وبسرية تامة , جزاه الله خيراً.والتقيت الشريف العبدلي وأعطيته أوراقي وشهاداتي  في عمان الذي بدوره سلمها للشريف بندر ألحارثي في مكة المكرمة , وبدوره حصل على الموافقة من الجامعة عبر احد الأساتذة الأشراف الحوارث الذي كان له موقع هام في تلك الجامعة  . وعندما تم القبول للتدريس بالجامعة ,  أرسل الشريف بندر رحمه الله أوراق القبول مع شابين من الأشراف الحوارث جاءا  إلى عمان خصيصا لهذه الغاية وسلموني القبول, وهما الشريف شاكر بن عساف بن فايز ألحارثي , وابن عم له, حيث استقبلتهما في المطار . وبالفعل ثمّ قبولي بعيدا عن الرقاب الأمنية والمخابراتية وفت في عضد الانكشاريين والبرامكة ، وطلبت إليّ الجامعة أن التحق بها في نهاية شهر أيلول (بعد شهرين ونصف في حينه) من عام 1989.

وكانت فرحتي عارمة، أن وجدت باب رزق في السعودية يكفيني هذا العذاب، وهذه المراقبات، وأكون حرا من المضايقات ,وأهرب خارج بلدي ريثما يتم طرد  هؤلاء المدراء إلى خارج الأجهزة، لأعود إلى بلدي خالية من الإنكشاريين والبرامكة  وكارهي الجينات العربية والوطنية . ولكن , وبعد إتمام كل شيء  والتهيؤ للسفر , وفي لحظة صفاء وتوفيق من الله، وبدون استشارة احد أبدا ,رأيت ألا أغادر إلا بعد وضع صاحب القرار العالي  بصورة مغادرتي، فقد ينقطع سيل التقارير الظالمة المرفوعة إلى مقامه أسبوعيا أو يوميا تارة من قبل الأجهزة الأمنية ، وحينها قد يسأل عني، أو عن السبب عن اختفائي عن مسرح التقارير الأمنية , ويكون هذا السؤال وبالاً عليّ أو خيراً لي (لا أدري) وأنا على رأس عملي الجديد خارج ارض الوطن . فقد يعتبر هؤلاء الظالمين أن ذلك ضوء اخضر من المرجع الأعلى للتجني علي ومراسلة الأجهزة الأمنية في البلد الذي اعمل فيه وينسبون إلي تهما لا تقيل عثرتي منها السنون والأيام وأصير فرق عملة بين التجني من جهة , والتعسف بلا دليل من جهة أخرى .

من هنا  خطرت ببالي فكرة ( لكنها الهام من الله سبحانه ) , وتذكرت كيف أن أحد الأصدقاء من كبار موظفي القصر الملكي، رفض الجلوس معي في منزله عند إحالتي على التقاعد 1987, واذكر كيف أنني عندما  دخلت عليه في بيته حينها  , قال بعصبية لم أعهدها به ولا منه من قبل: «يا أخي لا تزورني ولا تكلمني، فأنت عليك نقطة سوداء عند الملك بسبب التقارير والأشرطة الصوتية التهكمية ضده وزوجته المرفوعة بحقك من الأجهزة الأمنية ليس من واحد، بل منها جميعاً أنت رجل مشموس"، لا يمكن لي أن أنسى هذه الكلمات التي نقلتها للقارئ حرفياً هنا بأمانة تاريخية , وهي التي إذا قراها ذلك الشخص الآن ولديه ذاكرة قوية سيجدني صادقا مائة بالمائة .

وأضاف: «لا أتحمل نتيجة التعامل معك، فأنت تقول كلاماً يمسّ النظام وهو الذي لا  يجوز المساس به(!؟؟) وقد جاءوا بتسجيل بصوتك وأنت تتهجم وتشتم على المراجع العليا وعلى الحكومة وعلى من يقف معها وتتهمهم بالفساد وتستهزئ برجالات الدولة والمصادر العليا (!؟!) " = كان ذلك بعد إحالتي على التقاعد بأيام – أي في نيسان عام 1987 ,( أنت رجل مشموس عند النظام)  . ويبدو أنها استخدم هذه الكلمة وهي ليست له ولا من ثقافته وإنما سمعها من آخرين يعرفون معناها

لازلت أذكر ذلك جيداً؛ قلت له مباشرة ( في حينه ): (  هوِّن عليك يا فلان، لم أتي للاستجداء ولا للتسول، فلست كذلك، كنت أعتقد أنك صديق وفيّ، شكراً لحسن الاستقبال )، وغادرت بيته ولم أدخله بعدها منذ شهر آذار 1987 إلى الآن (2011) إلا مرة واحدة , عندما كنت نائبا وزرته , كجواب مني على كلماته قبل سنوات , ليفهم أنني قد عدت إلى الساحة بقوة وبخيار الشعب عن جدارة , وأنني لست مشموسا  عند الشعب , بل ربما أن كوني مشموسا عند الدولة قد جاء بي  من قبل الشعب , جئت إلى بيته بعد أن أيقن سابقا هو وغيره أنني ذهبت إلى غير رجعة  , وكان خارج الوظيفة فزودني بمعلومات مهمة وحساسة عن مثالب الحكومة الجديدة في حينه  ساعدتني في شدة انتقادها والهجوم عليها , وبذلك تحول من  شخص ينتقد أسلوبي في انتقاد الفساد , إلى مخبر ممتاز ينم لي على الحكومة التي لم يكن عضوا فيها , أما  أنا فقد حققت ما في ذهني وهو رسالتي الصامتة  له أنني موجود , وانه كان مخطئا فيما ذهب إليه سابقا وانه يرحب بي وأنا على الكرسي ولا يطيق رؤيتي أو التعامل معي عندما كنت  مغضوبا علي من النظام . انهم عبيد السياسة كما وصفتهم في مطلع الكتاب لا توجد لديهم مباديء الأخلاق , وإنما قواعد  المصالح , وأيضا الحصول منه على ما يقوي حجتي في انتقاد الحكومة , فهم يعرفون بعضهم وسرقاتهم والصادق فيهم اكذب من مسيلمة الكذاب والمخلص فيهم اقل أمانا من الذئب على الغنم في ارض الخلاء وغياب الراعي . وقد أصبح وزيراً أكثر من مرة، وكان يحاول التكفير عن تلك السيئة أو الهفوة أو الخوف على مركزه، لا أدري، قد تكون واحدة من هذه الأوصاف أو جميعها أو شيئاً آخر في نفسه. أو غير ذلك . كنت في كل مرة اشعر انه لم ينسى إساءته لي  ويتمنى من ينسيانها , وأما أنا فلم ولن أنساها .

ومع هذا لازلت أحزن لحاله، فقد ألقى بسنين طويلة من الصداقة بيننا ، وكنا جميعاً مقرّبين من ولي العهد (في حينه) . ليس هذا فحسب، بل إنني لم أجد في حينها/ أي بعد تقاعدي  مسئولا يجرؤ على استقبالي شخصياً أو هاتفياً خشية من مدراء الأجهزة الأمنية في حينه , والذين كما سبق وقلت قد سخروا كل مقدرات الأجهزة لبث الدعاية ضدي وتشويه صورتي  وتخويف الجميع مني .لقد كنت مشموساً سياسياً بالفعل وكنت مصدر رعب للمسئولين، والكل يحرص على تجنبي وعدم التعامل معي. وكأنهم عير (مفردها بعير) جرباء تهرب من البعير السليم(؟!!). هكذا كان حالي بعد التقاعد , وضاقت علي الأرض بما رحبت فكلما كلمني شخص أو التقيته أو حضر إلى بيتي تم استدعاؤه والتحقيق معه من قبل قطيع من الانكشارية والانتهازية , والهدف أن أبقى وحدي ولا أجد من يسامرني إلا أهل بيتي .

    لقد كانت مجموعات عديدة من الجهازين : الأمن الوقائي والمخابرات مكلفة بمراقبتي ومتابعتي ليل نهار , وكان الحقد الشخصي من مديري الأمن والمخابرات ورئيس الوزراء المكحوش فيما بعد قد جعلهم يتفقون ضدي رغم خلافهم على المغانم والفساد والإفساد , ويتآمرون علي رغم تباين أجنداتهم في التآمر . وقد أدى بي هذا التطويق إلى الهروب للقراءة والتأليف , والكتابة , فهي الخالدة , وهؤلاء زائلون , بل سراب بقيعة النذالة  , إلى درجة أنني لا اذكر أسماءهم , لان ذكري لهم سيخلدهم أكثر مما هي ملياراتهم التي نهبوها من دماء الشعب . وكانت الإشاعات والأضاليل ضدي إلى درجة لا يتحملها بشر , ووصفي بالعنصري والإقليمي واختلاق قصص في ذلك لا اعلم بها ولا عنها إلا بعد أن يتفتق ذهن مسيلمة الكذاب عنها , وما أكثر مسيلمة ضدي  ولا حول ولا قوة إلا بالله ألعلي العظيم . كان القطيع المكلف بمراقبتي مخول أن يقول ويفتري  كل شيء يخطر بباله  مع المكافأة على أي ابتداع لا يقدر عليه الشيطان وما أكثر ماكان من هذا  , بل إن من أوكلت إليهم المهمات القذرة في مراقبتي كانوا يحملون صلاحيات كاملة في طرح ونشر وتبني  أية فكرة جهنمية للإساءة إلى سمعتي ,  وان يستدعوا ويعتقلوا أي شخص فيما يتعلق بأمري دونما عودة إلى الباشاوات وإنما فقط لوضعهم بالصورة لان ذلك يشفي غليلهم

إذن ضاقت الدنيا واستحكمت حلقاتها ضدي، ولا بد من التصرف بحكمة، فخطرت ببالي فكرة ألا أذهب إلى هذه الشخصية المهمة المشار إليها توا أعلاه , والتي رفضت استقبالي , وهو الذي كان يحلم أن يكون نائباً أو رئيساً للوزراء أو محافظاً للبنك المركزي، لكنه لم يحقق حلمه بعد(!؟!).وأكرر القول لا أدري لماذا تصرفت كذلك، وإلى الآن لا أجد تفسيراً إلا انه كان يحب مصلحته فقط وانه كان جبانا.  أنها مشيئة الله سبحانه لأمر هو يعلمه ويريده.

.... لذا قررت أن أذهب إلى شخصية أخرى في القصر، لينقل إلى صاحب القرار الحقيقي أنني على وشك الرحيل ومغادرة الأردن ومعي أطفالي , والتدريس في إحدى الجامعات السعودية ؛ كان هذا الوسيط رزيناً محايداً أميناً، ولكنه يخاف (عليّ وربما على نفسه أيضاً) من سيل  التقارير الأمنية الذي لا ينقطع , وكان بلا شك يخشى مدراء الأجهزة  أن يشوهوا صورته عند صاحب القرار ؛ في أنه يتصل بمصدر الخطر على أمن الوطن والدولة والشعب  والنظام والملك ومستقبل الأردن , وهو د. أحمد عويدي العبادي (؟!؟؟).هكذا كانوا يصورونني , ولا شك أن يوما سيفصح عن هذه التقارير  السرية وسيجد التاريخ كم كنت مظلوما وكم كانوا ظالمين لي , وكم صور هؤلاء الباشاوات أن احمد عويدي العبادي هو الشخصية الأخطر , وأنهم نجحوا في لفت الأنظار والانتباه  عن سرقاتهم ونهبهم وتدميرهم للنظام والشعب والبلاد بحجة أن هناك من هو اخطر : انه احمد عويدي العبادي . ومع هذا بقيت على قيد الحياة , واندثروا من الحياة , فقد دخلت سجل المناضلين ,  وأما هم فدخلوا سجل الفاسدين والمخربين , دخلت التاريخ من أوسع أبوابه وهم قد خرجوا منه من أوسع أبواب الخروج إلى  السراب والاندثار

وكان الرجل القريب من الملك يطلب  إلي أن أقول كلمات طيبة بحق المدراء المذكورين عندما أجلس معه ,  وأن أخفف من هجومي وتهجمي عليهم عبر الهاتف , وفي اللقاءات العامة والخاصة,  مما جعلني أفهم أن ذلك تم رفعه بتقارير سرية لصاحب القرار، وكنت أقول له: لا أستطيع  أن أشهد الزور أو أنافق، فيقول: هكذا يتطلب الأمر: أن تخفِّف وأن تِجامِلْ، فأقول: الرزق على الله ,  لن أناقض ضميري , وإنني أتحمل الصراع مع الآخرين لكنني لا أتحمل الصراع مع ضميري , وأتحمل غضب البشر علي لكنني لا أتحمل غضب رب البشر أبدا , أنا إنسان احترم نفسي وعندي من الأنفة والإباء والإيمان  ما يجعلني اثبت على الحق إن شاء الله .  وقلت له  أيضا : إنهم قد حققوا شرخاً بن القمّة والقاعدة، ويجب أن يغادروا الأجهزة الأمنية ,  أو أن أغادر الأردن، ومبروك عليكم هذه الزمر الخرقاء . كنت قاسيا مع الرجل لكنه تحملني لأنه صاحب خلق رفيع وتواضع جم . وقلت له أيضا في اللقاء :لقد حصلت على قبول للعمل براتب مرتفع في حينه ,  في إحدى الجامعات السعودية وقصصت عليه كيف أن الشريف بندر ألحارثي قد قام بصلة الرحم بالحصول لي على القبول للعمل في تلك الجامعة . قلت له أيضا :  أن فكري ومؤهلاتي هي وطني الثاني بعد الأردن.فالعلم وطن المتعلمين , أما الجهل فهو مقبرة الجهلة والمتخلفين .

لقد كانت تربطني بهذه الشخصية المتحضرة المقربة من صاحب القرار علاقة احترام منذ عام 1973، وقصصت عليه معاناتي (رغم أنه كان  يعرفها بل ويعرفها كل شخص بالقصر في حينه، من خلال تواتر التقارير المزورة , ويعرفها كل مسئول في الأجهزة الأمنية والحكومية)، ومخططاتي  للعمل في الوظيفة الجديدة، وطلبت إليه أن يرفع ذلك إلى صاحب القرار، لأنني أخشى تدخل أعدائي  مدراء الأجهزة في اللحظة الأخيرة، والافتئات عليّ والحيلولة دون سفري للعمل في الخليج , وأبديت له قلقلي من عدم تواني هؤلاء الباشاوات من  تشويه صورتي  ووضعي على القوائم  السوداء في تلك الدولة الخليجية أو في دول الخليج برمّتها، وذلك يعني مزيداً من الجوع والحرمان، وربما أصبح ( أنا ) مطلوباً على مستوى دولي؟! ، أو متهماً أنني أشكل خطراً على الأمن الإقليمي والعالمي ؟! فقط لأنني رجل أبيّ عصيّ صادق، وطني غيور نظيف أرفض الفساد والإفساد والاستبداد والعهر والتعهير الإداري والسياسي والفكري . ولحسن الحظ أن أكذوبة الإرهاب  لم تكن سائدة آنذاك وإلا  لكان الأيسر والأسهل عليهم نسج قصة إرهابية ضدي يحصلون  فيها على مباركة الإرهاب الأمريكي وعلى رضا اصحاب القرار ويحققون أهدافهم بالقضاء على العدو الأول د . احمد عويدي العبادي بالادعاء انه مصدر الإرهاب في الأردن والعالم العربي .      قلت أيضا لهذه الشخصية المشار إليها أعلاه :  ( أريد أن أعيش بكرامة وأن أطعم أطفالي  خبزاً )، استمع الرجل إليّ بأدب ولطف كما هي عادته، وشعرت بتعاطفه الكبير معي، ووعدني أن يقوم بالإتصال بي خلال ثلاثة  أيام أو أربعة وبالفعل كان صادقاً، واتصل بي حسبما وعدني ، وذهبت إليه في منزله في أم اذينة في حينه ،فقال:  إن صاحب القرار يطلب إليك عدم الذهاب للعمل في تلك الدولة المعنية للتدريس أو العمل أو الإقامة بها إطلاقاً، ويريدك أن تبقى بالأردن.

وهنا شعرت أن صواعق الأقوام المسخوطة على الأراضي الأردنية , والأقوام المطرودة إليها  ,  منذ قوم نوح وعاد وصالح  والمؤتفكات من  قوم لوط،  وأصحاب الأيكة من قوم شعيب قد حلت بي .  وتمالكت نفسي، وقلت برباطة جأش: وأين أعيش؟ ومن أين سأطعم أطفالي لقمة العيش؟ ومن أين أشتري لهم ملابسهم؟ ومن أين ؟ ومن أين ؟  ومن أين؟. وأنا لا أجد ثمن الملابس ويمر الشتاء بأطفالي دون أن أجد لهم جرابات  أو أحذية إلا ما يتيسر من عند والدتي أحيانا . فقدت صوابي وجهرت بالرفض والصوت المرتفع , وقلت أيضا : بلدي محرّمة عليّ وأنا ممنوع من حقي في الأردن، فأين أذهب؟ هل يريدون  لي الموت؟ هل مكتوب عليّ أن أموت جوعاً لأنني أردني مؤهل وطني نظيف صادق  أرفض أن أكون مطيّة وعبدا لغير الله ؟ فلماذا أكون ضحيّة؟ لماذا لا يريدني صاحب القرار الذهاب إلى العمل بالسعودية, والعمل والمساهمة في جلب موارد ودخل للبلاد وتحسين وضعي الشخصي ؟ لماذا لا يوفر لي العمل في بلدي ؟ هل أغادر بلدي من خير , لا والله إنما أغادرها للعيش بكرامة وان الكرامة والعيش محرمتان علي في بلدي , أريد أن أعيش بعيداً عن المضايقات والملاحقات والتنكيدات والمراقبات وووووو ...الخ. أريد أن أبقى حرا كما ولدتني أمي , أريد أن أبقى أردنيا . لقد اثر هذا على مواقفي بالبرلمان .وقد لا يصدق الذين لا يعرفونني ما أقول , ولكن من يعرفني ومن كان أمامي يعرفون أنني انقل ما حدث بكل أمانة وشجاعة للتاريخ

وثارت ثائرتي، وأدركت أن مديري الأمن والمخابرات  قد استطاعوا استعداء صاحب القرار ضدي , أنا المواطن الفقير الغلبان الذي لا أجد ثمن كيلو الخبز وكان بخمسة وسبعين فلساً. وأقسم للقارئ والتاريخ أنه كان يتعذر عليّ كثيراً شراء الخبز بهذا الثمن ,  أو شراء ملابس لأطفالي , إلا ما كانت  تدفعه المغفور لها والدتي السيدة رفعة الطواهية  رحمها الله آمين، تخيَّلوا عقيداً متقاعداً ودكتوراً لا يستطيع شراء الخبز ,  وتقاعدي في حينه لا يكفي لمصروف متواضع لجزء من الشهر , وكان 36 دينارا كما قلت , بعد حسم القروض المختلفة .لقد كان لهذا تأثير على مواقفي  البرلمانية وأدائي في البرلمان .

قد يعتقد البعض أو يتصوّر أنني ما قلت هذا إلا بالمذكرات، ولكنني، وللحقيقة قلت كلاماً  أقوى وأعلى وغير  مسموح بنشره، ولم أدوّن في هذا الكتاب إلا الجانب الأكثر لطفاً، فأنا أقول للمسئولين عندما ألتقيهم كلاماً قاسياً وصعباً , وأحياناً لا يطيقه البشر لأنهم يحملوننا من الأذى والأسى والجراح والسوء ما لا يطيقه البشر أيضاً.

استمع إليّ  الرجل جيِّداً، وهو متعاطف معي , لكنه لا يملك من أمره شيئاً، وبعد بضعة أيام ثلاثة أو أربعة كلمني مرة أخرى ومررت به ثانية في منزله ليجيب على تساؤلاتي التي أعاد طرحها بدوره على صاحب القرار: فقال لي: يقول لك صاحب القرار أن تخوض معركة الانتخابات النيابية؟، فسوف تجري هذا العام 1989؟ قلت: وأنيّ لي النجاح ومدراء الأجهزة  هؤلاء في مواقعهم؟ فلن أصل لمجلس النواب مهما كلفهم ذلك من ثمن. لن يسمحوا لي أن أحصل على منبر محصَّنٍ بموجب الدستور..

    . قال:يبلغك صاحب القرار :  إنهم لن يبقوا في مواقعهم إلى وقت الانتخابات, وسوف يتم استبدالهم في موعد أقصاه ثلاثة أشهر من الآن، أي قبل الانتخابات بشهر ونصف على الأقل. قلت: ولماذا لم يسمح لي صاحب القرار بالذهاب هناك إلى السعودية ؟ أريد جواباً، لأن ذلك يشوشني. ما الأمر؟ ما القصّة؟ ولماذا تتحول قضيتي من شاب أردني يحمل الدكتوراه ويريد التدريس في جامعة عربية ليعيش حياة كريمة؛ أقول تتحول إلى قضية سياسية يتدخل بها صاحب القرار ورأس الدولة  أنا الوحيد فيها الضحية وكذلك أطفالي : البشر ونمي والعرين والزهراء ,الذين لا ذنب لهم؟. كانت ابنتي آية لم تولد بعد .

وبعد مهلة ثالثة، عاد هذا الرجل الفاضل بعد أيام ليقول أن صاحب القرار يقول لك: لا نريد د.أحمد عويدي العبادي أن يذهب للعمل في تلك الدولة الخليجية، لأنه يمتلك معلومات إستراتيجية هامة  وخطيرة عن العشائر الأردنية، لا نريد أحداً هناك أن يستفيد منها أو يستغلها ، فقد يجري توظيفها ضدنا (ضد صاحب القرار ونظام الحكم ). قلت: نصدع بأمر صاحب القرار، وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد. ولم أكن ذات يوم أفكر في خوض الانتخابات في حياتي لأنني اعرف يقينا أن  النزاهة ليست مدرسة للانتخابات في  الأردن , منذ كانت في الثلث الأول من القرن العشرين  إلى هذا التاريخ 1989 , ولان النواب عادة ما يتم تفصيلهم  والنتيجة محسوما سلفا قبل الترشيح  . وربما كانت نزيهة زمن ميشع المؤابي والأنباط فقط  .

وبالفعل وحسب الوعد المضروب والمعلومة التي أخذتها من الشخصية المذكورة أعلاه ، تم استبدال مديري الأمن والمخابرات وجيء بآخرين لم تكن بيني وبينهم عداوة وأحقاد. وكانت فرحة الأردنيين