ظواهر جديدة في الاردن: رجال دولة ينتقدون الادارة 'الامنية' ونواب يعتذرون للناس

 اخبار البلد-بسام بدارين- الاحتفاظ بمجلس النواب الاردني الحالي وتجنب الانتخابات المبكرة لم يعد خيارا يمكن التمسك به في ظل استراتيجية التعاطي الاردني الرسمي مع التحولات الكبيرة التي تشهدها الساحة العربية والاقليمية وكذلك المحلية حيث تتوالد الاعتصامات وينمو سقف المطالب بشكل غير مسبوق وسط ضيق واضح في دائرة الخيارات الرسمية.
وحمى السعي للتغيير التي وصل قطارها حتى صحيفة الدولة الاولى وهي 'الرأي' وسيصل لاحقا نقابة الصحافيين تكتسب يوميا المزيد من الانصار والمساندين، فيما اصبح الاعتصام الخيار الاول لاي مجموعة ولكل مواطن عندما يتعلق الامر بمطلب سياسي او بمطلب معيشي بعدما استقر لعقود كخيار اخير.
وبوضوح ملموس سياسيا تفشل او لا تنجح سلسلة التطمينات او الخطوات المتعددة باختيار نخب طازجة من الحرس القديم في الحد من طموحات التغيير التي اجتاحت اوصال المجتمع وتنامت ما بين الانتهازية السياسية والابتزاز المطلبي والمشروعات السياسية الطموحة جدا تحت عنوان اغتنام الفرصة لاجبار النظام السياسي على تقديم اكبر حجم من التنازلات.
ولا يوجد حتى اللحظة تصور متفق عليه على هذه التنازلات لكن من الواضح وفي اطار الخيارات الاستراتيجية ان ثورة الاصلاح الحقيقية ينبغي ان تتفاعل بقرار رسمي وسياسي جريء قبل ان تظهر المؤسسات الرسمية للحاق بها بدلا من صنعها بترتيب خاص يقترحه كثيرون داخل النظام الآن ويقاومه ايضا الكثيرون.
لكن الثمن المفترض والمتخيل والاسرع لاحتواء تفاعلات المشهد الداخلي لم يعد يقف عند حدود استبدال الحكومة الحالية بأخرى مقنعة وتعكس فعلا ارادة التغيير بل يتصاعد ليقف عند محطة 'حل البرلمان'.
وهي محطة يتعامل معها المعنيون كثمن منطقي لن تقبل الحراكات الشعبية او تتوقف قبل انجازه وهو ما يعمل عليه بكفاءة نشاط التيار الاسلامي عبر تلميحات واضحة قال فيها قادته ومن بينهم الشيخ زكي بني ارشيد وحمزة منصور بان حل البرلمان هو البداية السريعة لاظهار حسن النوايا تجاه منطوق 'اصلاح النظام' الذي هتفت به حناجر المشاركين في المسيرة الاخيرة وسط عمان العاصمة.
وعليه تظهر الصورة بأن اللجوء لخيارات ووصفات كلاسيكية بعد اسقاط حكومة الرئيس سمير الرفاعي انتهى عمليا بتصاعد غريب وعجيب لسقف المطالب، وبان الاهتمام بارضاء نشطاء الحراك العشائري والمتقاعدين العسكريين على اهميته 'الامنية' والتكتيكية بقي قاصرا على تلبية طموحات متفاعلة سياسيا واستراتيجيا تريد ركوب موجة تقليد ما يجري في المجتمعات المجاروة والانتهاء بدولة 'مدنية' على الاقل دون التفريط بشرعية النظام بعد التراجع الواضح في دور الدولة البوليسية او الامنية وبعد رفع الشيخ همام سعيد الرمز الابرز في الاخوان المسلمين لشعار امن في خدمة الشعب والدولة وليس العكس.
وفي السياق يبدو متاحا اليوم القول بان ادارة الازمة المعقدة اقتصاديا وسياسيا وامنيا وحتى اجتماعيا عبر تصور امني او توصيف كلاسيكي او تشخيص تأزيمي من قبل بعض اجنحة الدولة لا يقدم لصاحب الامر والقرار نهايات سعيدة للاحداث اليومية، فالحكومة الجديدة نجحت بصعوبة في الحصول على ثقة البرلمان وبعض التعيينات يبدو انها نضجت في اطار رؤية غير شمولية للمشهد .
بنفس الوقت لا تبدو بعض المفاصل في ماكينة الدولة مستعدة لتقديم تنازلات للناس، فنخب المؤسسة البيروقراطية اما لا تريد الاصلاح او لا تعرف كيف تصلح الامور وفقا لما قاله لـ'القدس العربي' السياسي المخضرم عبد الهادي المجالي.
بعض المسؤولين في عمان هذه الايام لا يريدون رصد التحولات الجارية حيث تحولت نخبة من الصحافيين المتهمين بالصمت والتواطؤ واحيانا الارتباط بالسلطة الى رموز للاعتصام في الشارع وحيث سمع الاردنيون جميعا نائبا من عظام رقبة النظام مثل الدكتور عبدلله النسور يحذر رئيس الوزراء من قيادة الامن له ويطالبه بقيادة الامن فيما لا يجرؤ ولا حتى مسؤول واحد على 'انتقاد' مظاهر التعبير والمسيرات في الشارع وفيما رصدت حالة تطنيش غير معهودة وتجاهل للادوات الرسمية واحيانا الامنية مثل الحكام الاداريين.
وبعض مسؤولي المفاصل وطرق الادارة القديمة يرفضون الاعتراف ببعض الحقائق التي تتشكل على الارض حيث اضطر نائب برلماني هو محمد الكوز لتقديم اعتذار للشعب اثر مساسه تحت القبة بالمشاركين في المسيرات في الوقت الذي امهل فيه الشيخ زكي بني ارشيد النظام وليس الحكومة شهرا واحدا فقط قبل الاعتصام المفتوح بالشارع.
وحتى الآن تبدو الصورة في عمان كالتالي: وحدها مؤسسة القصر الملكي تحاول المبادرة والتقدم ببوادر خاصة جدا من طراز توفير الحماية لليث الشبيلات بعد كلامه القاسي عن النظام وتشكيل لجان للتحقيق باعتداء بلطجي واتخاذ قرار بابعاد قوات الدرك عن النشاط المدني والاستماع لاكبر قاعدة ممكنة من النشطاء وخصوصا المدونين.
لكن هذه الخطوات على اهميتها لا تجد داخل المؤسسة البيروقراطية والتنفيذية حتى الآن الا معيقين لها او عقليات قديمة ومحافظة تسحب تأثيرها قصدا او جهلا بالاصلاح ومتطلباته وسط حالة ارتباك قد تنتهي بتقديم التنازل الاهم خلال اسابيع وهو حل البرلمان والانتقال لخطوة لا يعارضها في الواقع القصر الملكي وهي الحكومة 'المنتخبة' لاول مرة في تاريخ المملكة.