تعديل الدستور لم يعد محرما أو خطا أحمر
عادت الدورة الاستثنائية الثانية لمجلس النواب الى واجهة الأضواء بعد أن أصبح مؤكداً أنها ستناقش تعديلات دستورية، إضافة الى إقرار حزمة من القوانين.
طوال عقود ماضية كان تعديل الدستور محرماً وخطاً أحمر "وتابو" لا يجوز الاقتراب منه، ومن يتجرأون على طرح أهمية إنجاز تعديلات دستورية كانوا يُرجمون ويتعرضون لحملات نقد وتشكيك شعواء، واليوم وبعد عامين على آخر تعديل بعد بدء ثورات الربيع العربي، نعود لفتح الدستور ونضعه على مشرحة التعديل.
الدستور ليس مقدساً حتى لا نقترب منه، وأنا ممن يؤيدون تعديله كلما وجد المجتمع ضرورة لذلك حتى يلبي ويواكب تطلعاتهم السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
التعديلات المقترحة على الدستور في الدورة الاستثنائية، خاصة ما يتعلق بأن يحصر اختيار رئيس الأركان للقوات المسلحة، ومدير المخابرات العامة بجلالة الملك دون الحاجة لتنسيب رئيس الوزراء، ستمر حتماً وبكل تأكيد، لأن الواقع والممارسة الفعلية يؤكدان أن اختيار من تقلد القيادة لرئاسة الأركان والمخابرات كان دوماً مرتبطاً بالملك، وتنسيب رئيس الوزراء كان شكلياً.
شخصياً أؤيد هذا التعديل، دون الحاجة للتنظير عن أهمية التعديل لضمان أن لا تكون هذه المواقع جزءاً من الاستقطابات السياسية، خاصة أننا كما يفسرون ماضون في ترسيخ مبدأ الحكومات البرلمانية، وهذا يعني برأيهم أن الحكومات القادمة في المستقبل قد تكون حزبية، ولا يريد النظام أن تقع هذه المواقع تحت دائرة الضغط والمراوغة السياسية والاستقواء.
ما يسرّع بهذا التعديل هو رغبة النظام السياسي في التأكيد على ضبط الداخل والخارج الأردني، في ظل تزايد التوترات والأخطار المحيطة بالأردن، وذلك يعني أن الملف الأمني والعسكري يجب أن يكون وبشكل صريح وواضح حصرياً ومنوطاً بالملك، بما لا يقبل اللبس، ولا يدع مجالاً للنقاش حول المرجعيات.
بسط سلطة الملك على بعض مفاصل الدولة حتى في ظل الحديث عن الملكية الدستورية، لن يجد معارضة، بل قبولاً عند الشارع، فهذا الأمر ليس مفصلاً خلافياً، وما يريده الأردنيون بكل توجهاتهم أن تمضي مسيرة الإصلاح، ولا يهمني إن كان رئيس الحكومة يوشح توقيعه أم لا.
من المهم أن لا نتشبث بالشكليات ونركز على الأمور الجوهرية، والدروس المستفادة من التعديل الدستوري أنه لم يعد خطاً أحمرا، ويمكن الضغط لإجراء تعديلات دستورية أخرى في أي وقت لإقرار ما لم تنجح القوى المجتمعية في تمريره في التعديل الأخير، فالأمر لن يتوقف عند حصر صلاحية اختيار رئيس الأركان ومدير المخابرات بالملك، أو توسيع دور الهيئة المستقلة للانتخابات، لتنص بشكل واضح على إشرافها على الانتخابات البلدية.
جوهر القضية في هذه اللحظة التي يواجه الأردن فيها تحديات غير مسبوقة؛ سواء على مستوى الأمن أو الأزمة الاقتصادية، أن نصمد ونكون قادرين على مواجهة العواصف الإقليمية العاتية، فلا نقع في الفوضى، ويظل المجتمع موحداً أمام ماكينة التقسيم والتفتيت الطائفي والاثني.
يريد الملك إصلاحاً متدرجاً، قابلا للهضم، دون مطبات ومشكلات، ودون القفز، والسعي لحرق المراحل، وهذا ايضاً يجد ترحيباً كلما شعر الناس أن بوصلتنا تمضي خطوات حتى وإن كانت بطيئة باتجاه الدمقرطة، وترسيخ سيادة القانون والمواطنة، والتوزيع العادل للثروات، ومحاسبة الفاسدين.
لا يُقلق الأردنيين توسيع صلاحيات الملك في أمور يفعلها واقعا، ففي المغرب بعد حكومة التناوب والتعديلات الدستورية الكثيرة، أعادت الأحزاب ومنها الحزب الإسلامي الحاكم بعض الصلاحيات للملك حين اختلفت القوى السياسية باعتباره مرجعية لا اختلاف حولها.
خلاصة القول نعم للتعديلات الدستورية، ولا للتراجع عن الإصلاح مهما كانت الذرائع والمبررات، فالخيار الأول نقبله والثاني نرفضه.