صحوة متأخرة على الخطر
تحرك المجتمع الدولي متأخرا لاحتواء خطر الجماعات المتطرفة على دول الشرق الأوسط. قرار مجلس الأمن الأخير بفرض عقوبات على "داعش" و"النصرة" وداعميهما من الدول والأفراد، مثّل ذروة الرد. وسبق القرار الأممي التدخل العسكري الأميركي المحدود في العراق للحد من تهديد "داعش" للأقليات وإقليم كردستان.
تقدم "داعش" نحو أربيل أثار قلق الأوروبيين، ودفع بدولهم إلى التسابق لتقديم مساعدات عسكرية عاجلة لحكومة الإقليم. وبالأمس تواردت التقارير عن تأسيس مجموعة دعم إقليمية ودولية لتنسيق جهود الحرب على "داعش" وجبهة النصرة.
لكن هذه التحركات على أهميتها لم ترقَ بعد لمستوى الخطر. ففي غمرة الانشغال الأوروبي والاميركي بإقليم كردستان، يتجاهل المجتمع الدولي الوجود القوي للجماعة المتطرفة في عموم المناطق السنية في العراق وسيطرتها المطلقة على مدينة الموصل.
شكل اتفاق العراقيين على رئيس وزراء جديد خلفا لنوري المالكي بداية جيدة لتوحيد مواقف القوى العراقية المختلفة والسنة على وجه الخصوص لمواجهة "داعش" ودحرها مستقبلا. لكن الانتهاء من تشكيل الحكومة، وإعادة ترتيب أوضاع المؤسسة العسكرية العراقية، يتطلب وقتا طويلا،ستستغله "داعش" لإحكام سيطرتها على عديد المناطق، لابل وإخضاع المزيد من البلدات العراقية لنفوذها.
ولايمكن بأي حال من الأحوال خوض المعركة ضد "داعش" في العراق، وتجاهلها في سورية. دولة الخلافة التي أسسها البغدادي فتحت الحدود بين البلدين، ومن يقاتل في دير الزور اليوم، يقاتل في اليوم التالي في سنجار وهكذا يخوض التنظيم معركة واحدة. وعلى وقع الانتصارات في العراق يحقق مقاتلو"داعش" تقدما مطردا في حماة وريف دمشق وحلب.
وليس كافيا أيضا الاكتفاء بخوض معركة الدفاع عن اقليم كردستان، فيما تنظيم الدولة يجتاح باقي المناطق في البلدين.
المقاربة الدولية والإقليمية في مواجهة "داعش" ماتزال قاصرة. على المدى القصير ثمة حاجة لتوسيع دائرة الأهداف المشمولة بالقصف الأميركي في العراق، ومن ثم سورية التي تشكل قاعدة خلفية للتنظيم ومركز إمداد وتموين لعناصره المقاتلة على كل الجبهات.
وإلى حين تحضير الجيش العراقي لتولي المسؤوليات، يتعين العمل مع القوى المحلية في وسط وشمال العراق لتصفية نفوذ "داعش" في مناطقهم، ودعمهم بالموارد اللازمة لطرد مقاتلي داعش، واعتقالهم.
يعيق غياب الحل السياسي في سورية فرصة تبني مقاربة شاملة ضد المتطرفين. وانتظار مثل هذا الحل يعني منح داعش والنصرة مزيدا من الوقت للسيطرة على مناطق جديدة في سورية. ولذلك ينبغي التفكير بواقعية حيال هذه المسألة، وتحديد الأولويات من بين عدة خيارات صعبة.
إن الخشية من أن يوظف النظام السوري الحرب على المتطرفين لصالحه، تبدو مسألة ثانوية بالنظر إلى حجم المخاطر المترتبة على دول المنطقة من اتساع نفوذ "داعش" وتمددها لدول الجوار.
دول الجوار السوري والعراقي، تجد نفسها اليوم في خندق واحد بصرف النظر عن اختلاف مصالحها وتوجهاتها؛ إيران والسعودية على سبيل المثال يواجهان نفس التحدي، ومثلهما الأردن ولبنان الذي تعرض لغزوة داعش مؤخرا، وعموم دول الخليج وتركيا، هي في مجموعها مضطرة حاليا لبناء جبهة واحدة في مواجهة التحدي المشترك، وعدم الركون لدعم الغرب والولايات المتحدة التي تكتفي بتضميد جراح المنطقة دون علاجها.