لمصلحة من تدمير سوق الطاقة المتجددة

تخيل أن تكون مستثمرا في قطاع اقتصادي واعد وتحاول تحقيق نقلة نوعية في التنمية في بلدك أو أن تستثمر في الأردن لخدمة هذا البلد في التصدي لواحدة من أصعب التحديات التي تواجهه. بعد أن تبذل جهدا كبيرا في تقديم دراسات الجدوى وتفاصيل المشاريع وتستثمر في كافة الدراسات المتعلقة بالبنية التحتية وأنت تلتزم بالمتطلبات التي تشترطها حكومة يفترض أن تكون على إدراك بما تقوم به ولديها التزام بالأهداف التي وضعتها، ثم تجد نفسك في نهاية الأمر تتلقى رسالة من الحكومة تقول فيها أنها تشكرك على اهتمامك ولكنها قررت إلغاء العروض الخاصة بالاستثمار في هذا القطاع وتتطلع قدما إلى فرص جديدة للتعاون!
فرص جديدة للتعاون؟ من يريد أن يتعاون مع جهة غير قادرة على الالتزام بالأهداف والتعهدات والتطلعات المعلنة لها وتقوم بإلغاء مرحلة مهمة من مراحل الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة والذي من المفترض أن يساهم في حل أزمة الطاقة المزمنة التي تستنزف 20% من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد؟ ما تفكر به الحكومة في إلغاء المرحلة الثانية من عروض الاستثمار في الطاقة المتجددة هو بمثابة عملية انتحارية مفزعة من الصعب التصديق بأن حكومة دولة تعاني من أزمة في الطاقة يمكن أن تقوم بها!
تقول الحكومة بأن القدرة الاستيعابية للشبكة الكهربائية محدودة ولا تستوعب زيادة في الاستثمارات عما تم تحديده في الجولة الأولى من عطاءات الطاقة المتجددة. عندما تواجه اية حكومة في الدنيا مثل هذه المعضلة الفنية تقوم بالعمل على تقوية وتعزيز القدرة الاستيعابية وليس إلغاء المصادر الجديدة للطاقة إكراما للشبكة المتهالكة. الغريب في الموضوع أن حجة القدرة الاستيعابية للشبكة لا تظهر عند الحديث عن الطموحات والأحلام الوردية للطاقة النووية حيث يبدو أن كافة المشاكل والعقبات الفنية تختفي أمام لوبي مصالح الطاقة النووية.
كنا نعتقد في السابق أن ما يحدث في قطاع الطاقة المتجددة من خلال التعطيل والإبطاء للاستثمارات هو بمثابة تخبط إداري تعاني منه كافة المؤسسات الرسمية ولكن أخشى أنه السبب الحقيقي هو خدمة لاصحاب المصالح الكبيرة في قطاعي الوقود والمشتقات النفطية وكذلك الطاقة النووية حيث أن الطاقة المتجددة يمكن أن تشكل منافسا لهذه المصالح ولا بد من إزالتها من السوق.
في المرحلة الأولى من استثمارات الطاقة المتجددة وقعت الحكومة 12 اتفاقية لمشاريع طاقة متجددة بقيمة 560 مليون دولار سوف تساهم بخلق 2500 وظيفة وتنتج 470 جيجاواط لكل ساعة سنويا مما يساهم في التقريب من تحقيق هدف الحكومة في الوصول إلى نسبة 10% من الطاقة المتجددة في خليط الطاقة الكلي بحلول العام 2020. الجولة الثانية كانت ستحقق المزيد من التقدم وتمنح ثقة أكبر للمستثمرين للمضي قدما في الاستثمار في الأردن مع حكومة تلتزم بتعهداتها وتقدم بنية تشريعية وإدارية مناسبة للاستثمار.