تعديلات دستورية قارئة ومستقرئة للأحداث ...

يبدوا ان الشرق الاوسط بات يشكل كتلةًً ملتهبةً من النّار بدأت تهيء نفسها للتدحرج من سفوح جبال طوروس قرب المثلث الكردي الملتهب والذي زاده التهاباً خروج التنظيمات (الاسلامية ) المسلحة وعلى راسها تنظيم الدولة الذي انبثق عن القاعدة على اثر ما وقع في سوريا من احداث مع تفتح براعم الربيع العربي منذ ما يقارب ثلاث سنوات والذي اثار دهشة الجميع سواء في تنظيمه وتسليحه وتمويله وسواء في غض البصر والسكوت الذي فسّر على انه علامة الرضى من قبل النظام العالمي الراسمالي الليبرالي الذي يقوده المعسكر الغربي برئاسة الولايات الممتحدة الامريكية .

هذا السكوت وغض البصر والذي كان يؤشر على الرضى بدأ مؤخرا يخرج من عقاله بعد خروج تلك التنظيمات من عقالها مترجمة تحركاتها في تهديد المصالح الغربيبة في المنطقة متمثلة لغاية الان بتهديد آبار النفط في الموصل وكركوك وتهديد المضائق والموانىء والممرات البحرية سواء في ليبيا او اليمن على ايدي الجماعات (الاسلامية) ولا شك ان في هذا ما يهدد المزيد من المصالح الغربية في الخليج العربي وحتى اسرائيل ايضا باعتبارها احد اهم المصالح الغربية في الشرق الاوسط .
لقد بدأ المعسكر الغربي وعلى راسه الولايات المتحدة يخرج عن صمته فيما يتعلق بتنظيم الدولة منذ قيام القوات الامريكية بقصف الارتال العسكرية لتنظيم الدولة شمال العراق وما تبع ذلك مؤخرا من تصريحات غربية وتسليح لقوات البشمرقا الكردية واخيرا قرار مجلس الامن الاخير الذي تضمن موقف المعسكر الغربي من كل من تنظيم الدولة وجبهة النصرة ويبدوا ان تخوفات وموقف المعسكر الغربي من الاسلام السياسي المتمثل بالتيارات السلفية وتنظيم الاخوان المسلمين لا تقل حدة عن تخوفاتهم وموقفهم من التنظيمات المتطرفة لا سيما بعدما اثبة كفاءة وفاعلية بممارسة اللعبة السياسية والوصول للحكم في مصر وغزّة وعلى ضوء ذلك بات من شبه المؤكد ان المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة بدأ يفكر جديا بالوسائل الناجعة لتحجيم وكبح جماح ما باتت تتمتع به تلك الجماعات سواء من سيطرة عسكرية قد تمهد لنشوء انظمة قد تقوم على ايدولوجيا شمولية مناوئة للفكر االراسمالي الليبرالي في المنطقة او حتى وصول جماعات الاسلام السياسي للسيطرة على الحكم والقرار السياسي والعسكري في دول المنطقة بالطرق الديمقراطية ومن خلال صناديق الانتخاب ومن ثم تنفيذ اجندات قد تكون شمولية .
لقد بات خيار التدخل العسكري البري المباشر في دول المنطقة غير مرغوب به في دول المعسكر الغربي سواء من حيث انه مرفوض من قبل الشعوب ومجالسها التمثيلية كما حصل ابان رفض التدخل العسكري في سوريا او من حيث وجود قوى ردع اخرى على الساحة ... لاعبين قدامى رجعوا للملعب مثل روسيا ولاعبين جدد مثل ايران ولاعبين محتملين كالصين على سبيل المثال في حين ان اللجوء للاستعانة باسرائيل كمركز بوليس متقدم بات غير مامون العواقب وقد يؤدي ليس لمجرد الفشل والهزيمة بل للاطاحة بالوجود الاسرائيلي نهائيا في الشرق الاوسط .

يبدوا ان حلول الربيع العربي وذوبان الثلوج المتراكمة على المنطقة مند عقود مضت اظهر للعيان الكثير من المعادلات والارقام المعقّدة التي يصعب على النظام الراسمالي العلماني ايجاد حلول منطقية ومامونة لها ويبدوا ايضا انه تبين للمعسكر الراسمالي انه لا بد من التفكير جديا بالخروج بحلول تعتمد اعتمادا رئيسيا على دول وشعوب المنطقة وانه لا بدّ من اعادة ترتيب الاوراق ورسم خارطة سياسية واستراتيجية جديدة وانه لا بدّ للمعسكر الغربي من التاهيل والدعم الاقتصادي والعسكري لانظمة ودول توصف بالاعتدال ويعتمد عليها بالوقوف بوجه الجماعات المسلحة والتعامل مع ما يسمى الاسلام السياسي ... يبدوا ان تلك الفكرة بدات تختمر في المطبخ السياسي للنظام الراسمالي ولم يتبق ما يعيق تنفيدها على ارض الواقع سوى المشكلة الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي الذي يقف حجر عثرة بوجه اي محاولة لرسم خارطة جديدة للمنطقة لكون هذه الخارطة تستدعي تسليح ودعم دول وانظمة عربية وقد يشكل هذا التسليح تهديدا لاسرائيل في المستقبل مما يدعوها لللعمل على اجهاض هذا المشروع ما لم يتم تسوية النزاع العربي الاسرائيلي ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير وتقديم ضمانات للحفاظ على امن اسرائيل مقابل انسحابها الى حدود عام 67 هذه الضمانات قد يكون من ضمنها قيام اتحاد فيدرالي او كونفدرالي بين الاردن والدولة الفلسطينية القادمة ومثل هذا الاتحاد ولطبيعة التكوين السياسي والديمغرافي يستدعي نشوء دولة اتحادية على شكل ملكية دستورية تقوم على اساس تمثيلي ديمقراطي حقيقي يرضي جميع المكونات لضمان نجاحها وايضا لا بد من وجود معاهدات واتفاقيات دولية تشمل كل من الاردن وفلسطين واسرائيل ... مثل تلك المعاهدات تستدعي القيام بتعديلات سياسية ودستورية وقانونية سواء في الاردن او السلطة الفلسطينية مع ضمان ان القوات العسكرية التي يمكن ان تتواجد على اراضي الضفة الغربية لا بد ان تكون قوات عسكرية محترفة غير ايدولوجية تخضع فعليا وبموجب احكام دستورية وقانونية لقيادة سياسية تتسم بالثبات والاعتدال والقبول العام والبعد عن التاثر او التبعية لاكثريات قد يفرزها النظام الديمقراطي قد يكون لها اجندات واهداف يمكن ان تؤدي لنشوب حرب او حروب اخرى في المنطقة .
رياح التغيير بدأت تهب على المنطقة ويبدوا ان راسم الخارطة السياسية الجديدة بدا بوضع اللمسات الاخيرة ... الدولة الاردنية وقيادتها الهاشمية قارىء ومستقرىء كفوء للاحداث ولذلك بدا بالتمهيد لتعديلات سياسية ودستورية تضمن البقاء والاستقرار ... ورياح التغيير تلك لا ولن تقتصر على الجانب الاردني والفلسطيني ... اعتقد انها ستستمر بهبوبها شمالا وشرقا هناك حيث ثمّة تغيير سوف يحدث على الارض وقد تزول انظمة وتقوم اخرى مكانها وجنوبا حيث يستشعر القوم ان ثمة تغييرات لا بد ان تحدث ان على المستوى السياسي او الدستوري والقانوني او على مستوى توزيع الثروة التي يجب ان يتمتع بها جميع سكان الاقليم لان مسؤولية حمايتها والدفاع عنها تقع على عاتق الجميع ايضا .

صالح ابراهيم القلاب