المملون في وزارة التربية والتعليم .. من زنقة إلى زنقة !!
رحم الله الصديق والأخ الوفي خالد تيلخ الذي أخبرني في أول يوم لي أخدم فيه في ميدان القتال التربوي كلاما لن أنساه أبدا ، حيث أوضح لي سياسة وزارة التربية والتعليم المملة التي سأصطدم بها منذ اللحظة الأولى ، وبالفعل وجدت حديثه أمراً واقعاً لا لبس فيه ، فللأسف الشديد يقابل كل معلم الأن يباشر عمله في التعليم بعبارات المزاح التي تستغرب منه المجيء لهذه المهنة القاتلة للطموح الأن بفعل المحبطات التي تمضي بها سياسة التعليم في الأردن .
سؤال يدور في ذهن كل معلم يعبر فيه كل واحد منهم عن سر الكره الذي يكنونه لمجرد زيارة مبنى الوزارة الذي كان من المفترض أن يكون بيتهم وحضنهم الدافئ ، لكنه وللأسف تحول إلى عالم أخر بالنسبة لهم ، بفعل المخرجات التي تأتي إليهم في الميدان من هذا المبنى .
لم أكن أدري أن الأمر بهذه الصورة إلا عندما أتيحت لي الفرصة للتأكد من ذلك ، فقد شهدت بأم عيني مدى الإستقلالية التامة لأفكار القاطنين في الوزارة وأخص منهم القادة المفترضين فيها ، لأنهم يقبعون في بروج عاجية لا تعرف إلا لغة الأمر والقياس حسب رؤيتهم البعيدة كل البعد عن الميدان ، والسبب يعود في ذلك إلى أن الوزارة العتيدة تحاول أن تقحم نفسها ورقياً أمام المنظمات الدولية المعنية بالتعليم بصورة الملاك الرحيم الفذ والصائب في كل قراراته ، لتجدهم يزجون في الميدان أفكاراً ليست تحتمل التطبيق والمعلم لا يجد كرسياً ليجلس عليه لكتابة ترهاتهم المزعومة .
ولن أنسى في إحدى تلك الأيام التي شاء الله لي في حينها زيارة الوزارة وبالأخص مكتب أحد الأمناء ( على كراسيهم ) وجود أحد الضيوف الأجانب أمريكي الجنسية ، الذي جاء ليطرح علينا أفكاره التنويرية ليتلقفها السادة في الوزارة لزجها على الفور في مدارس بلدنا المتأكلة ، دون أي إكتراث بحقيقة الواقع الذي كان من المفترض تغييره ولو بصورة معنوية .
التربية والتعليم العالي هاتين الهالتين العملاقتين وللأسف حولها زمرة من ذوي التوجهات الورقية إلى معضلة كبرى في مجتمعنا الأردني ، إذ أننا نعلم تماماً بأن العلم هو غاية كل فرد يريد به الوصول إلى الأفضل له ولغيره ، ولكن وللأسف الشديد حولت الرأسمالية العمياء العلم إلى تجارة فقط تهدف من خلالها إلى جني الأرباح ، وبالفعل تحولت وظيفة المعلم في الأونة الأخيرة من مربي فاضل للأجيال الصاعدة إلى كاتب في عهدة وزارته لأوراق لا ناقة له بها ولا جمل، له ولطالب هذه الأوراق أيضاً ..! دفاتر التحضير اللانفعية وخطط مطبوعة يتداولها العشرات والمئات من المعلمين ، ودورات تستنزف الوقت دون أي فائدة تذكر ، وطرح إستراتيجيات تعقيدية تحتاج الى أسس متينة وقواعد تبنى عليها ، تعلم الجهات المخولة بذلك ماهيتها ، ولكنها ولأسباب غير معروفة تتجاهلها ، لأنها لا تبغي سوى ملئ الأوراق بالإنجازات الخرافية التي لم ترى الواقع أبداً ، إضافةً إلى أسطورة حوسبة التعليم التي إستنزفت موارداً ضخمة ، ذهب الجزء الكبير منها في الريح العاتية وبالذات إن تواجدت أجهزة الحاسوب الرقمية في دوائر تعليمية لم تستفد حتى اللحظة من خدمة الكهرباء .
الحقيقة مؤلمة للغاية لكنها الحقيقة المرة التي أجمع عليه المعلمون ، وهذا ما يسعون الآن إلى دحره وإسقاطه من قاموسهم ، لتبدأ المسيرة بإعادة إحياء نقابة المعلمين التي يرجو المعلمين تحققها بعيداً عن أي تدخل خارجي من كادر القادة في الوزارة ومن حرسهم الخاص لكراسيهم الفاقدة للشرعية من الأجهزة الأمنية التي تصر على زج نفسها في كل صغيرة وكبيرة ولا أخفيكم تدخلها لتعيين آذن في مدرسة ، والصورة توضحت للجميع خلال الفترة الأخيرة فقد شهدت بأم عيني قادة من رجال وزارة التربية والتعليم تقودهم أجهزة المخابرات لقتل مشروع النقابة من تشكيل للجان المصطنعة وأخيراً ظهروا علينا بتشكيل جبهة تأسيسية لمناهضة إحياء النقابة .
بالفعل وزارة التربية ما زالت تصر على إقحام نفسها من زنقة إلى زنقة ، دون معرفتها نهاية هذه الزنقة إلى أين تصل ، ولكن التغيير قادم من خلال النشء الجديد الذي سيطيح بقادة الوزارة المغيبين ليحل مكانهم من تذوق مرارة التعليم في المدارس .