إدارة الدولة… «محدودي الكفاءة» ودورهم في التخريب والتعطيل

ثقافة التحزب التي تسود المجتمع الاردني مؤخرا هي ثقافة خلقها مسؤولون على رأس مناصبهم، وفي حالة مغادرة المنصب فان هذه الثقافة تتحول من التحزب الى النميمة. لسنا هنا بصدد تشخيص نزعات وواقع المسؤولين الاردنيين السابقين والحاليين لكن لا بد من الوقوف على خطورة استمرار هذه الظواهر في المرحلة الحالية والقادمة التي باتت تضع مصير الدولة ومســــتقبلها في خطر، خصوصا مع استشعار الجميع للانهيار الحاصل في شكل ادارة الدولة و انعكاسه على الواقع المجتمعي.

الكل يعلم ان الخلاف في العلاقات بين البشر هو طبيعة انسانية لكن ما يهمنا هنا نوع الخلاف وشكله وهدفه و حقيقة اسبابه، هل هو خلاف للوطن ومن اجله ؟ ام هو خلاف اجندات ضيقة وحقد وضغينة شخصية يتم تغليفها بصورة وطنية زائفة؟ الحقيقة اننا كنا نتمنى ان تأخذ هذه الصراعات صورة الخلاف الفكري او التنافس الايديولوجي لكن للاسف الخلاصة التي يصل لها الجميع اليوم ان هذه الخلافات والصراعات ما هي الا اهواء واحقاد اشخاص و هي في اصلها ناتجة عن غياب رؤية حقيقة او استراتيجية لادارة كثير من الملفات مما يعطي بعض محدودي الكفاءة دورا تعطيليا وتخريبيا قد يكون سببه الاساسي ناتج عن الفرق الواضــــــح بين طريقـــــــة ادارة الملفات والامكانات الذهنية للشخص المكلف بادارتها.

للاسف هذا هو تقدير كثير من الاردنيين اليوم، وهو ما يتفق مع ما يروج له كثير من المراقبين والصحافيين والدبلوماسيين الغربيين في عدم قدرة كثير من المسؤولين الاردنيين على اعطاء انطباع ايجابي عن سياسة الدولة ودورها، الامر الذي يشير الى غياب الرؤية او التصور الاستراتيجي او حتى قدرة الاقناع لدى الكثير من المسؤولين.

اليوم لم تعد معادلة اختيار المسؤول خاضعة لترف التجربة او المكافأة، فعلى مدار السنوات الاخيرة تمت تجربة الكثيرين طبعا من باب التجربة والتنفيع لا من باب الكفاءة والاهلية والاحقية، تزامنا مع ذلك تم الارتهان ايضا لرؤى تقليدية كلاسيكية غير قادرة على استيعاب طبيعة الحراك الدولي والاقليمي وحتى الداخلي الامر الذي أدى الى الدخول في حالة من التخبط والتفكك الداخلية فرض حالة من العزلة السياسية والابتعاد عن ديناميكية المشهد الاقليمي.

مع ذلك لا يمكن اسقاط كثير من الخطوات الايجابية التي ابقت اوراق الاردن الاستراتيجية فاعلة في المنطقة، لكن لا يمكن الاستمرار في الركون الحصري للجهود الفردية و التقديرات الامنية، فالحقيقة ان ضرورة تحول عملية صناعة القرار الى عملية منهجية تأخذ بعين الاعتبار كل عوامل التغيير وتضع مصلحة الاردن اولا بعيدا عن اهواء الشخوص ونزعاتهم او حتى محدداتهم الفكرية. التحولات الاخيرة في المنطقة والتسارع في شكل الاحداث والتحديات التي واجهت مفهوم الدولة التقليدية تستدعي اليوم على اقل تقدير البحث عن تعزيز فكرة الحفاظ على التناغم بين فريق الدولة لكن في غياب رؤية واستراتيجية وكفاءة، فمن الطبيعي ان يتحول اي فريق الى فرقاء.