داعش

قال الدكتور معروف البخيت أمس , في محاضرة له بجمعية السياسة الدولية :- (لايوجد حاضنه لداعش في الأردن) ...كيف جزم دولته بذلك ؟ ...القصة ليست في الحاضنة ولا في التنظيم القصة أبعد من ذلك .
(الإخوان المسلمين ) حركة إجتماعية دعوية , هكذا أسسها حسن البنا , أو هكذا نشأت ولكنها انقلبت رأسا على عقب من مسار إجتماعي دعوي إلى مسار سياسي جهادي حين أطلق سيد قطب فكرة (الحاكمية الإلهية) وهذه الفكرة تجاوزت عند شباب الإخوان المرشد الأعلى مأمون الهضيبي في ذلك الوقت وكانت الأرضية الخصبة التي أسست عليها فيما بعد الحركات الجهادية ...بمعنى اخر الحركات الإسلامية خطورتها ليست في التنظيم وإنما في الفكرة والفتوى ....وكما هو معروف فإن سيد قطب أعاد إحياء (أبو الأعلى المودودي) صاحب هذه الفتوى ..بمعنى اخر أعاد إنتاجها .
إذا خطورة داعش في الفتوى والفكرة وليست في التنظيم , وليقرأ دولته سيرة عبدالله عزام المجاهد الأردني , الذي جنب العالم العربي دما هائلا ..حين تغلب على فكر أيمن الظواهري في بدايات تأسيس القاعده حين أفتى لأتباعه بوجوب تغليب جهاد الخارج على جهاد الداخل ..اي محاربة الأنظمة الكافرة التي تتربص ببلاد المسلمين يعتبر أولوية على جهاد الداخل المتمثل بمحاربة الأنظمة العربية ..وفعلا لاقت هذه الفتوى والدعوة رواجا لدى أتباع القاعدة الذين هاجروا لأفغانستان ...
القاعده في العالم الإسلامي حالة ملهمة وفتوى ملزمة وهي أكبر من تنظيم فالشباب الذين فجروا أنفاق لندن , هم ليسوا أعضاء في القاعده ولكنهم تلقفوا الفكرة عبر الأنترنت وأعتبروها فتوى ...ونسبة كبيرة من عمليات التفجير , والإرهاب الأعمى لم تكن على خلفيات تنظيمية بقدر ما كانت حالة تلقف لفتوى وفكرة ...
وحين يسود في العالم العربي الجهل والواسطة وكبت الحريات , حين يسود الظلم والفقر من الطبيعي أن ينظر ثلة من الشباب إلى داعش أو القاعدة أو جبهة النصرة كحالة خلاص ...أو حالة هروب من الواقع , وفي الغالب حمل تلك الفتاوى هو سيكولوجيا يعتبر أقرب إلى الهروب من واقع إجتماعي مؤلم ومتعب .
الحاضنه الإجتماعيه لداعش والنصرة والقاعدة ..هي موجودة في كل مكان ..وعملية نفي وجود حاضنة بدون دراسات أو قياسات رأي عام ضرب من العبثية ..
لو يقرأ الدكتور البخيت تاريخ الصراع بين الوهابية السياسية والإثني عشرية سيدرك كم وفر هذا الصراع من حواضن إجتماعية للتطرف والقتل والتعصب , لو يعرف أن هذه الحواضن ارتكبت بعض الأخطاء الجسيمة ...حين طابقت بين الخمسيه (الزيديه) والسبعيه ( الإسماعيليه) ....وبين (الإثني عشريه) ....وجعلت العالم السني يتعامل مع الشيعة بمسطرة واحدة دون معرفة الفوارق ...ودون فهم معنى ولاية الفقيه ودون إدراك بأن السبعية والخمسية يقرون بخلافة أبو بكر وعثمان ...
منذ (3) سنوات وأنا أطارد الدكتور محمد بن محمد بن عبدالله المختار الشنقيطي , في كل ما يكتب وما يقول وهو أستاذ اصول الأديان ..في جامعة الدوحة , والذي عرى كل تلك الحركات ..وعلل أسباب نشأتها الإجتماعية والدينية ...وأطارد كتابات الإمام الخميني ...وكيفية نشأة ولاية الفقيه , والوهابية السياسية ..وكيف كانت الأم والجذر لكل اشكال الإسلام السياسي .
داعش هي فكرة وفتوى , واينما يوجد فقر وجهل يوجد حواضن إجتماعية ونفي المؤكد يعتبر ضربا من الجنون ....
داعش تواجه بالوعظ , وبوزارة ثقافة قوية ...وحين نمتلك في الأردن وزارة ثقافة قادرة على إنشاء مسرح ضخم في معان مثلا أو الطفيلة قادرة على إنتاج الأدب والموسيقى ...في الجنوب , حين تكون هذه الوزارة هي المرجعية في نشر ثقافة التسامح والإنفتاح ...سنقول أننا لانملك حواضن إجتماعية ...ولكن في ظل غياب وزارة الأوقاف ..وشح موارد وزارة الثقافة ..فنظن أن الحواضن موجودة .
منذ سنوات وأنا أقرأ في اصول الأديان ..ونشأتها.. في الفرق والمذاهب والملل ...مررت على ما يقارب ال (10) الاف صفحة , ومشكلتنا أننا نتحدث عن ظاهرة دون فهم لنشأة هذه الظاهرة ...