موسى شتيوي يكتب.. الملك: التوافق الوطني يتم داخل المؤسسات الدستورية

أخبار البلد - 
حملت مقابلة جلالة الملك مع "الغد"، عدداً مهماً جداً من الرسائل فيما يتعلق بعملية الإصلاح السياسي، حدد من خلالها معالم الطريق لمستقبل العملية السياسية في الأردن، والتي تمت جرعة مهمة منها من خلال التعديلات الدستورية والاستحقاقات التي ترتبت عليها.
أولاً: إن الإصلاح السياسي متجذر في فلسفة الدولة الأردنية، وهو عملية متواصلة شكلت خطوات السنوات الماضية بداية لها. ولكنه في الوقت نفسه أكد ما يجمع عليه غالبية الأردنيين، أي إن عملية الإصلاح ستكون تدريجية تستجيب لواقع التجربة الأردنية، فلا توجد وصفة جاهزه يمكن استيرادها خارج السياق والواقع والظروف الأردنية.
ثانياً: إن التقدم في مسيرة الإصلاح يتطلب نضوجاً سياسياً ومجتمعياً تلعب فيه الأحزاب والمجتمع المدني والمواطنون دوراً أساسياً، وإن على هذه الأطر السياسية تجذير تواجدها لدى القواعد الشعبية، واتباع الآليات الديمقراطية في ذلك.
ثالثاً: التوافق الوطني على عملية الإصلاح ومكوناتها وعناصرها يتم من خلال الأطر الدستورية، وخاصة في ظل وجود برلمان منتخب يمثل غالبية الأطياف والتوجهات السياسية في البلد، من خلال العمل والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني في المجالات كافة. وهنا رسالة واضحة للأطراف والقوى التي اختارت عدم المشاركة في العملية السياسية من خلال الأطر الدستورية، بأن الدولة لن تقوم بعقد صفقات خاصة مع أي طرف، ولن تكون هناك امتيازات لأحد.
رابعاً: المشاركة لا المغالبة هي أساس وجوهر العملية الديمقراطية. وفي هذا المبدأ بعدان: أحدهما مرتبط بالدولة؛ من حيث وجوب عدم إقصاء أي طرف سياسي عن المشاركة. والثاني، يرتبط بالقوى السياسية، والتي يريد بعضها فرض أجندته على باقي مكونات المجتمع، والذي ثبت بالتجربة أنه توجه أدى إلى إحداث أزمات خطيرة في بعض الدول التي انتهجته.
خامساً: إن الإصلاح السياسي لا يمكن اختزاله بقانوني الانتخاب والأحزاب السياسية على أهمية هذين القانونين، وأن المشاركة السياسية يجب أن تكون أيضاً على المستوى المحلي من خلال اللامركزية. ومن هنا تأتي أولوية قانون البلديات واللامركزية كأطر تشريعية ضرورية تسمح بالمشاركة في اتخاذ القرار على مستويات متعددة، وتؤدي إلى تقسيم عمل واضح المهام على هذه المستويات.
سادساً: يجب احترام البرلمان كمؤسسة تشريعية، بغض النظر عن ساكنيها، لأنها المؤسسة الأهم في عملية الإصلاح. ولكن هذا لا يعني عدم مراقبة أدائها وتقييمه وانتقاده إذا دعت الحاجة. ويجب الاستمرار في تطوير النظام الداخلي للبرلمان، من أجل تأطير ومأسسة العمل الجماعي. من جانب آخر، فإنه يعول على البرلمان من خلال كتله في أن يسعى إلى تطوير مفهوم الحكومة البرلمانية التي تشكل ركناً أساسياً في خطة الملك الإصلاحية، والتي في حالة تطورها تتمكن الأحزاب والكتل من تشكيل الحكومات وتكوين معارضة برلمانية حقيقية في المجلس.
سابعاً: التعددية في الرأي والفكر والمواقف السياسية هي ميزة ديمقراطية ونقطة قوة لا ضعف، لأنها مؤشر على حرية الرأي والتعبير، شريطة أن تتم استناداً الى المبادئ السليمة في التنافس والاحتكام للقانون واحترام حقوق الآخرين.
مقابلة الملك تعيد الثقة للأردنيين بالمستقبل؛ فالدولة ماضية في عملية الإصلاح السياسي التدريجي التي لا تقتصر على قانوني الانتخاب والأحزاب، وإنما تمتد إلى مستويات إدارة الدولة كافة. لكن الكرة أيضاً في ملعب الأطر والمؤسسات الممثلة للشعب؛ كالبرلمان والأحزاب والمجتمع المدني. والتجربة أثبتت أنه لا يجوز القفز على المراحل. والمخاطر والأحداث الإقليمية يجب أن لا تشكل عائقاً أمام مسيرة التقدم بالأردن، وغير مقبول استغلال هذه المظاهر لأغراض سياسية داخلية. كما أن هناك ضرورة ومجالاً للكل كي يشاركوا في هذه العملية، ولكن ضمن قواعد يحتكم إليها المجتمع، والتي يمثل الدستور مرجعيتها الأولى والأخيرة.