هل «دُفن» المالكي.. سياسياً؟

من المبكر نعي رئيس الوزراء العراقي «الأبرز» بعد الغزو الأميركي للعراق، نوري المالكي، رغم «القرار» الدراماتيكي الذي اتخذه الرئيس العراقي الجديد فؤاد معصوم، تكليف أحد قادة حزب الدعوة (حزب المالكي) حيدر العِبادي، تشكيل حكومة جديدة، رأى فيها المالكي ومن «بقي» من مؤيديه داخل ائتلاف دولة القانون (وأيضاً التحالف الوطني الشيعي) أنه قرار غير دستوري، وأنه «انقلاب» وأنه سيقاوم هذا القرار..
هو انقلاب فعلاً، لكن سلباً أو ايجاباً، الجواب محصور بمن يُسأل، لأن مؤيدي عبادي ومعصوم وخصوصاً من خارج العراق، وعلى رأسهم إدارة أوباما، رأت فيه خطوة مهمة على طريق إعادة العملية السياسية في العراق إلى سكّتها الطبيعية فيما «أصرّت» باريس على أن العِبادي سيشكّل حكومة وحدة وطنية، ما أثار المزيد من الأسئلة عمّا تم طبخه في الخفاء؟ وكيف تم اختراق «جبهة» المالكي، بل حصنه الحصين (حزب الدعوة)، والإتيان بحيدر العِبادي، رغم ما أبداه المالكي نفسه من تشدد لافت قبيل أربع وعشرين ساعة «فقط» من قرار تكليف رفيقه «الأقرب» ترؤوس حكومة، عندما خرج المالكي على العراقيين والعالم منتقداً رئيس الجمهورية، معتبراً عدم تكليف رئيس أكبر كتلة (ولم يكن اسم العبادي قد طُرِح أصلاً بل إن معصوم رفض تكليف المالكي) ويقصد نفسه ثم رفع شكوى إلى المحكمة الدستورية التي اختلفت الآراء حول قرارها، لكن أوساط المالكي قالت إن قرارها كان لصالح تفسير المالكي..
المشهد اختلف الآن، خصوصاً بعد إعلان المالكي ومَنْ معه أنهم يرفضون قرار التكليف «وسيقاومونه»، وهنا تبدو الأسئلة أكثر خطورة واتساعاً مما كانت الحال عليه قبل قرار تكليف العبادي، فالمالكي ليس شخصية «سهلة» مهما كانت آراء الأفرقاء والعواصم والمكونات الداخلية في سلوكه الشخصي أو سياساته أو تحالفاته، ناهيك عن الاتهامات التي لم تتوقف له بالاستبداد وفساد المحيطين به وطائفيتهم وغيرها من الأوصاف التي بعضها صحيح وغيرها مُبالغ فيه وثالثهما يمكن وصفه بالكيدية السياسية، إلاّ أنه ما يزال «قوياً» بمعنى أنه لم يخسر كل «أسلحته» وما يزال هامش مناوراته واسعاً، وهو قادر الآن حتى لو عارضته المرجعية الدينية (السيستاني) أو انقلب عليه بعض أركان حزبه أو تنكر له حلفاؤه في التحالف الوطني (الشيعي) وبخاصة الثنائي مقتدى الصدر وعمار الحكيم، اللذين لا يخفيان نواياهما تجاه ورفضهما ولاية ثالثة له بل ويشمتان الآن فيه، ناهيك عن الكرد وعلى رأسهم مسعود برزاني الذي وجد في «مسألة» الولاية الثالثة فرصة للمضي قدماً في تنفيذ طموحه أو حلمه القديم إجراء استفتاء في إقليم كردستان كي يختار الكرد بين البقاء في الدولة الاتحادية أو الانفصال وبخاصة بعد سقوط الموصل، وسيطرة الكرد على كركوك، لكن «داعش» اربكت الجميع، بل افشلت الخطط أو أجّلتها..
ما الذي يستطيعه المالكي؟
لنتذكر أنه القائد «الأعلى» للقوات المسلحة وما تزال تحت إمرته، بل ثمّة ألوية وكتائب «ذات قوة» تابعة له شخصياً (على ما يُشاع ويُقال)، فضلاً عمّا لديه من مؤيدين ومحازبين وآخرين تحرّكهم نزعات عشائرية ومذهبية ومناطقية وجهوية، ثم إن الرجل قادر (حتى الآن)، على استمالة بعض النواب والعناصر والقيادات في أحزاب ومكونات أخرى منافسة، وخصوصاً شيعية، بعد أن وقعت «الحرب» الآن بينهم، ولم يعد ثمّة أسلحة مُحرّمة، وأخرى مشروعة، بل بات كل شيء مُتاح، الأمر الذي لن تنجو منه أحزاب الصدر والحكيم والدائرة المحيطة بإبراهيم الجعفري، (رئيس التحالف الوطني) وهو الذي ما يزال حسابه مع المالكي «مفتوحاً» رغم كل النفاق والمداهنة في علاقاتهما، إذ لم ينس الجعفري، أن المالكي هو الذي اطاحه من قيادة الحزب ثم ترؤوس الحكومة التي بقي (المالكي) على رأسها طوال ثماني سنوات..
هل اهملنا العواصم الإقليمية؟
بالتأكيد لا، فطهران «الرسمية»، لم تقل كلمتها بعد، وبخاصة أنها ستكون أكثر حذراً الآن بعد الحماسة الأميركية والفرنسية والأممية (بان كي مون) لتكليف العِبادي، ناهيك عن أنقرة واربيل والرياض وموسكو ودمشق، فالمالكي نَسَجَ علاقات «ما» مع هذه العواصم آل بعضها إلى توتر وعِداء فيما بدت مع الأخرى دافئة بل وحميمية.. وإلى أن تُعرف المواقف النهائية يجدر بالساعين إلى نعي المالكي أو دفنه سياسياً التريث قليلاً..
أين من هنا؟
إنهم يحفرون الخنادق ويقيمون المتاريس الآن في العراق، والأزمة - في ما نحسب - ستأخذ أبعاداً أكثر خطورة ودموية، مما كانت قبل تكليف العِبادي.
.. لا بُدّ من الانتظار.