وحوش العصر!
لا يمكن استيعاب ما يجري في العراق وسورية من أهوال، فشماليّ القطرين يشهد نسخة مرعبة من التوحّش والعنف الخارق بأنواعه المعروفة والمبتكرة، وعلى رأسها الهجمة الشّرسة على المسيحيين وعلى النّساء... فإرغام أتباع النّاصريّ عليه السلام على اعتناق الإسلام (إسلامهم!) أو التّهجير ليس إلا شكلاً من أشكال الهمجيّة التي أتت بها مجموعات مفتعلة من سفلة القوم والقتلة ومجانين العظمة وأكلة لحوم البشر! وإلا ما الذي مكّن هؤلاء من الأرض ورقاب الناس؟ لولا أنّها أنظمةٌ نخرها الدُّودُ الذي استفحل حتى استأسد! فهذه الكائنات السُّفليَّة التي خرجت من تحت أرض الخراب باتت تحكم بقوّة الأمر الواقع وبقوّة الضّعف العربيّ الذي نشب أظفاره في أبصارنا وعقولنا ومن ثمّ في مقاديرنا، وبقوّة استخبارات الدول العظمى التي تلعبُ بنا الشّطرنج!
الهول الذي يشهده مسيحيو الشّمال في سورية والعراق ليس سوى صورة من صور محاكم التّفتيش في الأندلس، حيث أُمِروا أن يبدلوا بدينهم آخرَ، ويدفعوا الجزية ويرتدوا الشلاليخَ والأثواب القصيرة ويطلقوا اللّحى ويُنقّبوا النساء! وإلا فالقتلُ أو التّهجير عراةً من أموالهم ومتاعهم وتاريخهم! ولعله من نافلة القول أنّ الإسلام لم يشهد في تاريخ وجوده حركةً مضادةً لأهل الكتاب وسلوكاً تدميرياً لهم كما تشهد هذه الأيام. وهو ما يستدعي كثيراً من الحزن وهبَّة من الإنسانيّة (لا من الدّول) لاستنقاذ عُزل في مهد حضارة العرب والبشريّة.
أما النساء فهنّ هدفٌ أوَّلٌ لأيّ تنظيم أو جماعة تحمل الإسلام شعاراً للحكم؛ فتحت هذا الشّعار ثمة التنقيب الإجباريّ وحبس المرأة في البيت: فلا علم ولا عمل! وتشريع أنواعٍ من العنف والاغتصاب تحت مسمى الزواج.. وآخر ابتكارات القتلة في ما يُسمّى "الدولة الإسلامية" إيجاد سوق للرّقيق من النساء؛ إذ تتفاعل في أجساد القتلة (الذين تربّوا على نتَن الأفكار والقيم، وعلى الكبتِ الخانق والمشاعر الوسخة تجاه المرأة) شهواتُ الجنس في أكثر صورها توحّشاً، بحيث لم يعد يكفي لإشباعها زوجة واحدة أو أربع، ولا بدّ من تدبير يسمح بأكثر! بأكثر بكثير! فليكن "ما ملكت أيمانكم" هو الحلّ!
وأما الجماهير الصّامتة التي تُوقّر فكرة "الدولة الإسلاميّة"، وتنبهرُ بالاكتساح المروّع لقبائل الوحوش هؤلاء، فكيف يمكن إقناعها أنّ ما يجري ليس إسلاماً بل حركةً عنيفةً ضدّ التّاريخ والمدنيّة والحضارة والإنسانيّة؟ كيفَ يمكن التّأهبّ ضدّ هذه الموجة العاتية من العنف والتأخّر؟ بل كيف يمكن العيش على حدودها دون أن تتسرّب السّموم إلى مائنا وهوائنا وقوتنا وأفكار صغارنا وجَهَلَتِنا؟ وكيف يمكن تفسير ما يجري دون ربطه عضوياً بتمكين إسرائيل أكثر وأقوى وأعنف؟
ليتني أجدُك أيّها الأمل!!!