في غزة من يستحق الحياة ..

المشهد متوتر يلفه الغموض . جثث الاطفال الشهداء في غزة تتكدس بصورة غير مألوفة تثير الغضب وتحرق الدم في العروق وتفجر المشاعر الانسانية ، وتبعث الاصرار على المقاومة والصمود والصبر، على عكس ما تمنته حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل ، التي غرقت بدم غزة ، وفقدت كل القيم الاخلاقية والانسانية امام العالم .

الحقيقة ان غزة لا تحتاج الى تمجيد بصمودها الاسطوري ودفاعها عن حريتها وكرامتها ومستقبلها ، هي لها عاداتها وقيمها وحياتها ، وفيها ما يستحق الحياة ، بل فيها من يستحق الحياة بكرامة . لانها اختارت المقاومة واختارت الحرية ، وانحازت الى الحياة رغم اغراقها بالموت . لذلك رفضت غزة الشروط المذلة ، واثبتت لاعدائها ان غزة قبل العدوان هي غير غزة المنتصرة بعده ، وان اسرائيل قبل العدوان هي غير اسرائيل المندحرة المنتحرة بعده . ومن هنا لا هدوء ولا امن ولا استقرار في اسرائيل الا برفع الحصار عن القطاع والاستجابة الكاملة لشروط المقاومة .
نحن نعرف ان ليس لدى غزة ما تخسره ، وليس لديها من المطالب الا ما تستحق من اجل ان تنعم بالحياة الكريمة ، ومن اجل تحرير الشعب الفلسطيني واقامة دولته ، ومنحه حقوقه المشروعة التي تناساها العالم الذي انحاز الى جانب القوة الاسرائيلية على حساب الحق الفلسطيني . وهذا الصمود المكلف هو حصيلة تضحيات كل فصائل المقاومة في القطاع ، وهو الصمود الاسطوري الذي اعاد القضية الفلسطينية الى الضوء ، وجعلها الخبر الاول في نشرات الرئيسة في كل وسائل الاعلام الدولية ، وهوالذي زاد من عزلة اسرائيل ، وكشف عن وجهها الحقيقي امام العالم كدولة غير ديمقراطية تمارس القتل والارهاب بصورة غير مسبوقة في التاريخ الحديث.
لذلك نقول ان ليس من حق اي فصيل او فريق التفكير باختطاف هذا النصر ، او توظيفه لاهداف سياسية ضمن الساحة الفلسطينية الداخلية في الصراع على السلطة او المناصب ، او مجرد التفكير باحداث انقسام جديد على حساب المصالحة او المصالح الوطنية الفلسطينية ، او تجيير انتصار شعب غزة من اجل مكاسب سياسية تنظيمية.
المعركة لم تتوقف ، والمواجهة العسكرية طويلة ، والحرب السياسية والاعلامية مستمرة ، وهم يعرفون ان تحقيق انجازات عسكرية امنية اسرائيلية في قطاع غزة يعني انهاء المقاومة باهدافها وثقافتها وخطابها . وهذه قناعة وثقافة اسرائيلية قديمة . ما زلنا نذكر تصريحات غولدا مائير في العام 1972 عندما اعلنت عن نيتها حرث المخيمات في القطاع وفتح شوارع عريضة تسّهل مهمة جيش الاحتلال في اخماد الثورة ، لاعتقادها ان المخيمات والبؤر الفقيرة هي التربة الخصبة للمقاومة ، وان الفقراء هم وقود الثورة. وما زال صوت رابين يتردد في الذاكرة حين تمنى ان يرمي غزة في البحر.
ولكن غزة ظلت باقية ، وما هذا الضياء والبرق والرعد سوى علامات الفجر الاتي في اليوم الذي حدده التاريخ للشعب المحاصر المقهور في غزة