هل تُصلح «غارات» أوباما، ما أفسدته.. «داعش»؟


 

على وتيرة لافتة.. تبدو الغارات التي تشنها الطائرات الاميركية، حربية كانت ام بلا طيار، وكأنها مجرد «رفع عتب» اكثر منها مؤثرة في تعديل موازين القوى على الارض او ردع قوات «الدولة الاسلامية» عن التقدم لاحتلال المزيد من القرى والبلدات والمواقع الاستراتيجية (سّد الموصل نموذجا) والاقتراب «الشديد» من عاصمة اقليم كردستان... هولير (اربيل)، ما يثير المزيد من الاسئلة حول الاهداف الاميركية الحقيقية من «إنخراط» متأخر وبطيء في «معركة» جدع أنف الدولة ومنعها من المضي قدما لإعادة رسم خرائط سوريا والعراق (أقله الان) دون تنسيق «مُعلن» مع إحدى عواصم القرار الدولي او وكلائها في المنطقة، الامر الذي يرفع من منسوب الشكوك بوجود تعاون خفّي بين المجموعات والقوى والعواصم المؤثرة، وإلاّ كيف يمكن تفسير هذه الاندفاعة الغربية المفاجئة في مدّ الهاربين من بطش ودموية داعش، بالاغذية والمساعدات الملقاة بالمظلات وهبوط المزيد من الوزراء الفرنسيين والمبعوثين البريطانيين وقبلهم المستشارين الاميركيين، بعد أن تجاوزت «داعش» الحدود المرسومة، ولم يقتصر امر اجتياحها على الموصل وباقي المناطق المحسوبة في التصنيف الاستعماري (والعربي) سنّية؟ بل تجاوزتها وخصوصاً نحو الشمال!
فهل نحن أمام تدخل اميركي (وربما فرنسي وبريطاني) محسوب ومبرمج ومحدد الاهداف؟
المؤشرات تشي بان ادارة اوباما، التي تتخذ قراراتها الان في غياب الكونغرس الذي ذهب الى عطلته الصيفية، لم تغفر «بعد» للمالكي رفضه التوقيع على الاتفاقية الامنية مع واشنطن، التي لا تجيز محاكمة الجندي والمتعاقد الاميركي امام القضاء العراقي، ما افضى في النهاية الى انسحاب «كامل» للقوات الاميركية التي احتلت العراق (دع عنك تلك التي «تحرس» اكبر سفارة اميركية في العالم والموجودة في المنطقة الخضراء الشهيرة ببغداد) ومن طريف المواقف الشبيهة واللافتة، ان الرئيس الافغاني المنتهية ولايته حميد قرضاي هو الاخر، رفض التوقيع على اتفاقية أمنيّة مشابهة مع واشنطن حيث تنظر الاخيرة ان يجلس مكانه احد المُرشحَيْن المُتنافِسَيْن على الرئاسة، اشرف غاني وعبدالله عبدالله، (كلاهما يوافق على الاتفاقية بلا تحفظ وما اكثر القرضايات في عالمنا).
ما علينا..
إدارة اوباما لا تُبدي حماسة لحال التفكك والانهيار شبه الشامل التي وصل اليها العراق، بعد ان دخلت داعش (او أُدخلت) على خط الازمات المتمادية فصولا في العراق، والتي حاول «الكورد» الاستفادة منها وبخاصة ليلة سقوط الموصل، عندما اعتبروا دخولهم كركوك بمثابة الجائزة الكبرى لهم، وطياً للمادة 140 من دستور العراق الذي كُتب في عهد الاحتلال، وصفعة قوية لنوري المالكي الذي لم يُبدِ اي تراجع عن رغبته البقاء في منصبه لولاية ثالثة، لكن الرياح «الداعشية» سارت على عكس ما اشتهته «سفن» الكورد (دع عنك التحالف الشيعي الذي يناصب المالكي الجفاء)، فاذا بخليفة الدولة الاسلامية يتطلع صوب الشمال (بدل ان يوجه قواته نحو بغداد) لتكريس تواصل جغرافي مع اراضي «دولته» في سوريا, ولم تكن حملة التطهير العرقي والديني التي طالت الايزيديين ومسيحيي الموصل، سوى «فاصلة» في نص اكثر شمولية وخطورة مما ظن كثيرون, هنا خرجت حملة الضغوط الآخذة في التصاعد والتمدد افقياً وعامودياً وكان لها طابع «ديني» (وهي مشروعة وعادلة وصائبة)..
هنا فقط تحرك اوباما وليس لاسباب سياسية أو جيوسياسية، حيث لا تهديد ماثلاً للمصالح الاميركية في العراق, رغم كل ما يُقال ويُطرح من تصريحات وتحليلات رسمية وغير رسمية, الامر الذي يزيد من الشكوك في جدّية الضربات الاميركية, التي هي في كل الاحوال تستهدف «المقاتلين المتطرفين الذين يهددون كردستان العراق، واذا اقتضت الضرورة لحماية الدبلوماسيين والمستشارين العسكريين الاميركيين» على ما قال اوباما نفسه, دون ان ينسى بالطبع الغمز من قناة المالكي وانتقاد سياساته الاستبدادية الطائفية, التي أدت الى «نفور» السُّنة ودفعت بعضهم الى تأييد المُسلحين», وهو النهج الذي سار عليه الفرنسيون والبريطانيون ايضاً، وكأني بهم يُعفون أنفسهم من مآل القسمة الاستعمارية التي عملوا عليها بدأب ومثابرة بعد احتلالهم للعراق, واعتبروها الحل «الأمثل» فإذا بها اكثر سوءاً وضرراً مما كانت عليه زمن النظام الذي اطاحوه بالغزو, وكانوا يعلمون (مُسبقاً) نتائج وتداعيات ما يقارفون ويرتكبون.
الضربات الاميركية الراهنة–إن بقيت على حالها–لن تردع داعش ولن تَفُتّ في عضدها أو تؤثر في اندفاعتها الدموية, وليست ذريعة حماية المسيحيين سوى محاولة هرب الى الامام، وكشف عن تواطؤ غربي لأخذ المنطقة الى مزيد من الفوضى والانهيارات.