عوامل مستجدة



ليست صدفة صدور بيان الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، يوم 2/8/2014، والذي يتحدث عن العدو الإسرائيلي الذي " يستثمر الأخطاء السياسية " الفلسطينية، وفي قراءة للمشهد السياسي العملياتي الفلسطيني، وتداعياته نلحظ ثلاثة تطورات مهمة، صنعها الصمود الفلسطيني، والمبادرات الكفاحية، والتضحيات الكبيرة لشعب غزة الباسل .
أولاً : إن الضربات الجوية والمدفعية ونيران الدبابات الإسرائيلية استهدفت المدنيين بشكل فاقع ملحوظ، كشفت زيف الادعاءات الإسرائيلية المدعومة أميركياً حول دوافع المعركة الإسرائيلية على أنها دفاع عن النفس، في مواجهة الصواريخ الفلسطينية، وفي مواجهة ما سمته حرب الأنفاق، وتبين بالملموس أن الصواريخ الفلسطينية ذات مردود معنوي، لم تدمر موقعاً إسرائيلياً عليه العين، ولم تمس سوى ثلاثة مدنيين قتلوا، أحدهم عربي من بدو النقب، بينما تركت الصواريخ والدبابات وطيران العدو الإسرائيلي نتائج مدمرة على المدنيين، وسجل الأطفال والنساء والكهول نسبا عالية جداً من حجم الذين سقطوا ضحايا كشهداء، وأصيبوا كجرحى، وتم تدمير أكثر من 30 الف منزل لثلاثين الف أسرة بلا مأوى، هائمين على وجوههم بدون أدنى متطلبات العيش، إضافة إلى ربع مليون نسمة لجؤوا إلى مدارس وكالة الغوث واحتموا فيها، ولم يسلموا من القصف والأذى الإسرائيلي، وإبادة أكثر من سبعين أسرة فلسطينية كاملة تحت الأنقاض والقصف والحرق المميت .
ازدياد عدد المتضررين المدنيين من الفلسطينيين، وصور موت الأطفال والنساء والكهول غيّر من مظاهر التضامن العالمي الأوروبي الأميركي نحو التعاطف التدريجي البطيء مع أهالي قطاع غزة وهو أول عامل مهم، لمصلحة الشعب الفلسطيني، مع أن متطلباته لم تكتمل بعد، ويحتاج لمزيد من الوقت، حتى يشكل أول عامل ضاغط على العدو الإسرائيلي ليكشف زيف ادعاءاته ويُعري أهدافه ويفضح مشروعه الاستعماري التوسعي المتواصل، فلا زالت المعركة قائمة وسقوط الضحايا يزداد، والتعاطف الدولي يتسع ويكبر ويتعمق، حتى تم انسحاب قوات الاحتلال، ووقف إطلاق النار صباح الثلاثاء 5/8/2014 .
ثانياً : إذا كانت صواريخ المقاومة نحو مناطق 48، والتجمعات الإسرائيلية، معنوية وغير مؤذية، فإن الاجتياح الإسرائيلي لحدود قطاع غزة، وفر لعناصر المقاومة فرص الاشتباك والإبداع والشجاعة في ملاقاة جنود العدو وآلياته، وقد حققت المقاومة الفلسطينية انتصارات تكتيكية تراكمية بأنفاقها، ومبادراتها الهجومية، وعملياتها الخاطفة وعنصر المفاجأة، حققت سقوط قتلى بين صفوف الجيش الاسرائيلي، لم يكن متوقعاً بهذا العدد، 64 عسكرياً، وبهذه الكيفية، ما أثار ردود فعل جوهرية داخل المجتمع الإسرائيلي، وبدأ تأثيرها يأخذ أبعاداً، ما أربك حكومة نتنياهو، وأفقدها إحدى أهم عناصر استمرار عدوانها، وهو التأييد والدعم الجماهيري الذي بدأ يهتز ويتغير، في جبهة العدو الداخلية.
ثالثا: لقد أخد شعب القدس والضفة، قرارهما بالمشاركة، في المعركة الوطنية ضد العدو، من خلال التظاهرات والاحتجاجات والصدامات مع جنود العدو في مواقع عديدة، وخاصة بعد تصريحات ياسر عبد ربه يوم 19/7/2014، والتي غيرت من المزاج والفعل الفلسطيني لأنها المرة الأولى التي يعلن خلالها مسؤول فلسطيني موقفاً نوعياً بقوله "إن غزة تدافع الآن عن المشروع الوطني الفلسطيني، والمعركة قاسية للغاية، وإذا كسرت غزة، وأنا على ثقة أن هذا لن يحصل، كُسرنا كلنا وكُسر مشروعنا الوطني"، وقال "لقد فشلنا في المفاوضات، وفشلت المفاوضات فشلاً ذريعاً، ولن تعود مرة أخرى، وفشلت كل محاولات وقف الاستيطان" وخلص إلى نتيجة مفادها "إن هذه المواجهة تعبر عن المصالح الحقيقية لكل فلسطيني أينما وجد وليس للغزيين فقط " وأضاف "إن انتصار غزة على الحصار، هو بارقة أمل لانتصار الفلسطينيين على الحصار وعلى الاستيطان".
تصريحات ياسر عبد ربه، أعقبها بيان اللجنة التنفيذية، وبيان القيادة الوطنية، وتضمنت الدعوة للمشاركة الشعبية في الضفة والقدس مع أهالي القطاع، ما أظهر أهمية فتح جبهة ثانية ضد العدو في الضفة الفلسطينية، تشكل رافعة معنوية وسياسية ومادية، لشعب القطاع، ورافعة ضد استفراد العدو الإسرائيلي بأهل القطاع الفلسطيني الشجاع .
العوامل الثلاثة المستجدة حصيلة المواجهة، لم تكتمل حلقاتها بعد، فالرأي العام العالمي لم يصل إلى درجة التعاطف المؤثر ليشكل عامل ضغط قويا يردع مواصلة العدوان الإسرائيلي، والرأي العام الإسرائيلي لم تكتمل فصوله بعد ليشكل أداة ضاغطة لوقف العدوان بسبب الخسائر البشرية بين صفوف جيش الاحتلال، والانتفاضة الفلسطينية في القدس والضفة، لم تكتمل حلقاتها بعد، لتصبح فعلاً يومياً، متلازماً، لا يتوقف، يستنزف العدو جهداً، ويعريه أخلاقاً ويكشف زيف ادعاءاته السياسية والأمنية، وهذا يعود إلى أن تطور العوامل الثلاثة يسير ببطء وتدرج، وبالتالي، لم تتضح صورة وحقيقة النتائج السياسية المتوخاة فلسطينياً من هذه المعركة التي دفع الشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً، وباهظاً جداً من أحيائه وممتلكاته في أتونها، ولذلك يبرز السؤال بعد هذا، ما هي الأخطاء الفلسطينية التي تحدث عنها بيان الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ؟؟.
h.faraneh@yahoo.com