تكريم أوائل المملكة

لا أدري لماذا لا تقوم وزارة التربية والتعليم بعمل حفل سنوي مهيب في كل عام لتكريم أوائل الثانوية العامة في كل التخصصات، يحضره كل المسؤولين والشخصيات الوطنية وأعيان البلد برعاية أعلى المستويات، بحيث يكون هذا الاحتفال من أهم الاحتفالات الوطنية، لأنه يفوق مهرجان جرش وغيره من المهرجانات العديدة التي تتولى الحكومة ادارتها من حيث الأهمية والأثر، والاسهام في صياغة مستقبل الأردن، ومستقبل الأجيال.
ولا أدري لماذا لا تتنافس الشركات الوطنية الكبرى في رعاية هذا الاحتفال الوطني الكبير، ولماذا لا تتنافس في استقطاب هؤلاء الأوائل من حيث التبرع بتكلفة تدريسهم وتقديم المنح الكافية لرعاية مستقبلهم التعليمي والمهني، والاشراف على تطوير قدراتهم.
لقد قام التلفزيون الأردني مشكوراً باستقبالهم عبر برنامجه الاسبوعي المعروف (يسعد صباحك)، وكانت لفتة لطيفة في تسليط الضوء على هذه الشريحة المميزة من أبناء الوطن، وكان هناك بعض المسائل التي تجلب الانتباه وتستحق الاهتمام منها:
احدى الطالبات الأوائل أم لخمسة أطفال صغار، كما أنها قد أنجبت قبل موعد الامتحان بشهرين، ومع ذلك استطاعت أن تطوع ظروفها الصعبة وأن تحصل على المرتبة الأولى في الفرع الشرعي الذي كانت نسبة النجاح فيه لا تتجاوز 14%، لترسل رسالة واضحة وقوية إلى أبنائنا وبناتنا المتفرغين للامتحان دون مسؤوليات أو تكاليف أخرى كبيرة أو صغيرة، عن معنى المثابرة وعن معنى الجد والاجتهاد، ومعنى الصبر والمصابرة، ومعنى الكفاح والإصرار وقوة العزيمة.
أما الملاحظة الثانية فتتعلق ببعض الطلاب الذين استطاعوا تحصيل بعض المراكز المتقدمة من مناطق نائية ذات ظروف اجتماعية صعبة، مثل الأغوار، فهؤلاء يستحقون التكريم والرعاية والاهتمام والتقدير، سواء من الوزارة ومؤسساتها أو من الشركات الوطنية المعنية بمستقبل هذا الوطن، والمعنية بتقدمه ونهوضه، والمعنية بالبحث عن المتفوقين والموهوبين الذين لديهم الملكات والاستعدادات الفطرية للتطوير والابداع، على صعيد أعمالهم ومستقبل شركاتهم ومؤسساتهم، ويشكل ذلك التفاتاً نحو المحافظات والألوية البعيدة من أجل توزيع خطط التنمية.
الملاحظة الثالثة تتعلق بطالبة متفوقة من أهل غزة، الذين لا يملكون رقماً وطنياً، ولا تحمل الجنسية الأردنية، فهذه الطالبة تستحق الرعاية كذلك بالنظر إلى ظروفها وظرف عائلتها، ويتحمل المسؤولية جملة الأغنياء والأثرياء على المستوى الوطني، أو على المستوى العربي بوجه عام، مما يلفت الانتباه إلى إنشاء مؤسسة وطنية لرعاية الأوائل والمتفوقين وأصحاب المواهب على مستوى الوطن.
فيما يتعلق بالأوائل يحتاج الأمر إلى مزيد من الاهتمام ومزيد من التكريم ومزيد من الرعاية والتقدير الذي يليق بجهدهم أولاً، فهم يستحقون ذلك، وياتي ذلك في سياق الخطة الوطنية الشاملة المفترضة في مجال الاصلاح التربوي والتعليمي، حيث إن ذلك يخلق التنافس المطلوب بين المقتدرين على الابداع والتفوق، حيث إن الإهمال وعدم التقدير يؤدي إلى الإحباط، وانحطاط وتيرة التنافس عندما يتسلل اليهم شعور خفي بأنه لا فرق بين المتفوق وغير المتفوق، ولا فرق بين المُجدّ والكسول من حيث الفرص المستقبلية المتاحة التي لا تعرف إلّا المحسوبية والشللية، وعلاقات الحسب والنسب والتزلف والنفاق وضياع الجهد والتفوق على أعتاب الفساد.
تكريم الأوائل يعبّر عن حس وطني حقيقي وانتماء أصيل، من أجل الاسهام في اصلاح الخلل الكبير الذي طرأ على منظومة القيم، وتعرضها للاهتزاز ومحاولة التدمير، التي كان لها الأثر الأكبر في مجمل الخلل والضعف العام المتراكم الذي يعاني منه المجتمع على جميع الأصعدة، وفي كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتكريم هنا لا يقصد به الناحية الشكلية فقط، بل التكريم يتعدى هذه الناحية ليشمل إعادة تكفل الدولة بتأمين دراستهم، ورعاية مستقبلهم على أمد طويل، من أجل الحرص على هذه الكوكبة من أبناء البلد بشكل سنوي متراكم، ومن ثم إخضاعهم إلى جملة من البرامج التي تؤهلهم في مختلف المسارات المطلوبة على صعيد الحياة الاجتماعية والتعليمية والتربوية والمهنية.